أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    25-Jun-2018

قطارات أوروبا تختصر الزمن وتفتح معالم القارة لعشاق السفر

 «الحياة»

عندما انطلق قطار «يوروستار» بتاريخ 14 تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1994 برحلته الأولى بين باريس ولندن، مخترقاً النفق تحت مياه البحر الفاصل بين فرنسا وبريطانيا، استطاع تحقيق سرعة بلغت حوالي 170 كلم في الساعة. وكانت تلك سرعة مميزة للقطارات الأوروبية في ذلك الوقت. أما اليوم، فإن الجيل الجديد من قطارات «يوروستار» يمكن أن يبلغ ما معدله 320 كلم في الساعة.
 
 
ومع ذلك، فإن قطار «يوروستار» الجديد ليس الأسرع في العالم حتى الآن. فالصين سبقت جميع الدول المتقدمة صناعياً في تطوير قطار أطلقت عليه اسم شانغهاي قادر على تحقيق سرعة تصل إلى 431 كلم في الساعة. وربما تستطيع اليابان تحطيم هذا الرقم القياسي، إذ إنها تعكف حالياً على تطوير قطار سريع جداً سيكون جاهزاً قبيل الألعاب الأولمبية التي تستضيفها اليابان سنة 2020. ومع أننا لا نعرف تحديداً سرعة القطار الياباني الجديد، إلا أنه حكماً سيكون أسرع من قطار شانغهاي.
 
ويبدو أن مشاريع تطوير خطوط السكك الحديدية في العديد من دول العالم تحظى بأولوية في خطط التنمية الإقتصادية. ولذلك نشهد برامج واسعة في إيطاليا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وهولندا وبلجيكا، ناهيك طبعاً عن الصين واليابان والولايات المتحدة الأميركية. أما على المستوى العربي، فهناك خدمة القطار السريع بين المدينة المنورة ومكة المكرمة في المملكة العربية السعودية، والتي يُقدر لها أن تنقل حوالى ثلاثة ملايين مسافر سنوياً بين المدينتين المقدستين.
 
ولم تأتِ هذه المشاريع والخطط من فراغ، كما أنها لم تنشأ فقط لاعتبارات اقتصادية. فالواقع يقول إن نزعة السفر بالقطار سواء للأعمال أو للسياحة هي في زيادة مستمرة. ولعل مردّ ذلك أن الناس يعيشون في زمن السرعة، ولكنهم في الوقت ذاته يريدون التمتع بالمناظر الطبيعية التي يؤمنها التنقل بالقطار على نقيض السفر بالطائرة. ويضاف إلى ذلك الوقت الضائع الذي يرافق عمليات التدقيق الأمني في المطارات بسبب كثرة الأعمال الإرهابية خلال السنوات القليلة الماضية.
 
ومن أبرز ميزات السفر بالقطارات أن المحطات الرئيسية في المدن الكبرى دائماً ما تكون في وسط المدن، بينما المطارات إجمالاً موجودة في الضواحي البعيدة. بمعنى أن المسافر بين باريس وروما على سبيل المثال ينتقل من قلب العاصمة الفرنسية إلى قلب العاصمة الإيطالية من دون الحاجة إلى وقت إضافي تستغرقه الرحلة بين المطار ووسط المدينة. كما أن الترجل من القطار يعني نهاية الرحلة عملياً، بينما الترجل من الطائرة يعني بداية جديدة لانتظار الحقائب والخضوع لإجراءات الهجرة والتفتيش الأمني.
 
ولا غرابة بعد ذلك عندما نقرأ أن التنقل بالقطار بين أبرز المدن الأوروبية أصبح أسهل بكثير من السفر بالطائرة. ويقول أحد خبراء السياحة والسفر في أوروبا إن الوصول إلى المدن الواقعة ضمن دائرة شعاعها 600 كلم من نقطة الانطلاق أسرع بكثير من استخدام الطائرات، آخذاً في الاعتبار بُعد المطارات عن المدن وإجراءات الأمن المشددة في ما يتعلق بالرحلات الجوية.
 
وهكذا بدأنا نشهد خلال السنوات الخمس الماضية مشاريع حكومية على مستويين: الأول- تحديث البنية التحتية بحيث تصبح جاهزة للأجيال الجديدة من القطارات الفائقة السرعة. والثاني- ربط المزيد من المدن الأوروبية بخدمات يومية تؤمنها قطارات حديثة. والظاهر أن هذه الخطوات حظيت بنجاح ملحوظ لدى مئات الألوف من السياح داخل القارة الأوروبية، مما شجع شركات القطارات على إدخال المزيد من الخدمات الجديدة.
 
ومن أبرز الرحلات الناجحة تلك التي بدأت قبل سنتين بين باريس وبرشلونة، وهي تربط مدينتين سياحيتين بارزتين بقطار من طابقين تصل سرعته إلى حوالي 300 كلم في الساعة. ومنذ أن انطلقت هذه الخدمة والطلب عليها بازدياد مضطرد، خصوصاً في فترات العطلات وموسم الصيف. ومن برشلونة يستطيع المسافر متابعة رحلته إلى مدريد وغيرها من المدن الإسبانية على متن شبكة من القطارات السريعة والحديثة.
 
كما أضيفت هذه السنة أيضاً رحلتان يوميتان بين لندن وأمستردام في هولندا بوقت لا يتجاوز ثلاث ساعات وأربعين دقيقة. وهذه الخدمة تقدمها «يوروستار» إلى جانب رحلاتها المعتادة إلى باريس (ساعتان وعشرين دقيقة) وبروكسيل (ساعتان تقريباً). وتدور مفاوضات حالياً بين الشركات الفرنسية والبريطانية والألمانية للترخيص للقطارات الألمانية باستخدام نفق القنال، ما يؤمن رحلات مباشرة بين لندن والمدن الألمانية.
 
ولا ننسى طبعاً خطط الحكومة الألمانية لربط شمال ووسط البلاد بمناطق الجنوب السياحية. ويترافق ذلك مع مشاريع الاتحاد الأوروبي للمساعدة في مد شبكة السكك الحديدية إلى دول شرق أوروبا التي انضمت إلى الاتحاد تباعاً خلال السنوات القليلة الماضية. ومن المتوقع أن تغطي شبكة القطارات السريعة والحديثة كامل دول الاتحاد الأوروبي في غضون العقد المقبل على أبعد تقدير.
 
وفي الختام لا بد من الإشارة إلى أن الصين أقدمت قبل أشهر على تسيير رحلة بالقطار من بكين إلى أوروبا في سياق مشروعها التجاري الطموح المعروف باسم «طريق الحرير». ومع أن الرحلة الصينية هذه كانت تجارية فقط، إلا أنها تؤكد أن مستقبل السفر بالقطارات سيكون مزدهراً خلال السنوات المقبلة. فالقطار الذي ينقل البضائع يستطيع أيضاً أن ينقل السياح الراغبين في اكتشاف عوالم جديدة بوتيرة سريعة... لكن غير متسارعة!