المحروق: التمويل الأخضر يستهدف تحقيق النمو الاقتصادي المستدام
الغد- يوسف محمد ضمرة
أكد نائب محافظ البنك المركزي الدكتور خلدون وشاح أن الرؤية الاستراتيجية للتمويل الأخضر تقوم على تحويل القطاع المالي في الأردن إلى قوة رائدة في هذا المجال وتحسين قدرته على مواجهة المخاطر البيئية والمناخية والتكيف معها، فضلاً عن تمكين الأردن من أن يُصبح رائداً إقليمياً على صعيد التمويل المستدام.
وأضاف في كلمته أمس، نيابة عن محافظ البنك المركزي الاردني خلال المؤتمر الذي نظمه اتحاد المصارف العربية، وبالتعاون مع جمعية البنوك في الأردن، أن البنك المركزي الأردني سيقوم بالتعاون الوثيق مع شركائه الرئيسيين في القطاع المالي وكذلك مع الوزارات والهيئات الدولية والأكاديميين وغيرها من الجهات، كما سيقوم البنك المركزي ايضاً بتوجيه المؤسسات المالية لديه لإدراج الاعتبارات البيئية والمناخية في كافة الجوانب المتعلقة باتخاذ القرارات المالية، بما في ذلك هياكل الحوكمة للشركات، وإدارة المخاطر والضوابط الرقابية الداخلية، والإفصاح والإبلاغ، والتمويل الأخضر.
وتابع وشاح حديثه بمشاركة 200 شخصية من القطاع المصرفي الأردني وقادة من القطاع المصرفي العربي، بأن البنك المركزي الأردني سعى لتطبيق استراتيجية التمويل الأخضر ولتحقيق أحد أهداف هذه الاستراتيجية والمتمثل في بناء قدرات العاملين في البنك المركزي وفي القطاع المصرفي والمالي في مجال التمويل الأخضر وإدارة مخاطر تغير المناخ.
واشار الى أنه خلال الفترة 2024/5/7-9 وبالتعاون مع البنك الدولي عُقد برنامج تدريبي متكامل لبناء القدرات في هذا المجال حضره ما يزيد على 90 مشاركا من البنوك والمؤسسات المالية والوزارات والمؤسسات ذات العلاقة، كما يتم العمل حالياً بالتعاون مع البنك الدولي والجهات الأخرى ذات العلاقة على اعداد تقييم شامل لأثر مخاطر المناخ على القطاع المصرفي والمالي (Climate Risk Assessment) وتطوير التصنيف الوطني الأخضر (National Green Taxonomy)، بحسب ما ذكره نائب محافظ البنك المركزي الاردني.
وأضاف: أمر بالغ الأهمية للبنوك التي تسعى إلى حشد ثقة العملاء وتحسين سجل الاستدامة لديها وجذب الاستثمارات الجديدة، ذلك أن مشهد الأعمال المتغير يُظهر أن المستثمرين يفضلون البنوك التي تلبي معايير (ESG) على غيرها من البنوك؛ حيث تتميز هذه البنوك بإمكانيات استثمارية ذات عوائد مسؤولة وطويلة الأجل.
وفي هذا السياق، قال وشاح اكتسبت المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المشهورة باختصار (ESG) أهمية كبيرة في السنوات الأخيرة، إذ تشمل هذه المعايير مجموعة واسعة من العوامل، بدءًا من المعايير البيئية التي قد تشمل البصمة الكربونية للشركة وكفاءة الطاقة واستخدام المياه، والمعايير الاجتماعية التي تشمل تقييم معاملة الشركة لموظفيها، وسياسات التنوع والشمول، والعلاقات المجتمعية، وإدارة سلسلة التوريد. في حين تعمل معايير الحوكمة على تقييم جودة وفعالية قيادة الشركة، وهيكل مجلس الإدارة، والتعويضات التنفيذية، والشفافية.
واكد وشاح أن دمج المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة في مجال الخدمات المالية والمصرفية، يتعلق بقبول المسؤولية عن القضايا الأكثر أهمية التي تؤثر علينا جميعًا. وفي الواقع، إن تبني هذه المعايير عبر جميع العمليات والإجراءات في البنوك يوفر تجربة عملاء حديثة وسهلة وتطور مجتمعا قائما على الاحترام والثقة والقيمة طويلة المدى، كما تمكن أيضًا البنوك من استخدام بيانات العملاء الحساسة بشكل مسؤول وذلك بالاعتماد على التكنولوجيا للحفاظ على الخصوصية والأمان. كما أنه يعزز السلوك الأخلاقي في جميع مجالات العمل وإعداد التقارير الشفافة.
كما أن الالتزام بهذه المعايير يمكن أن يساعد البنوك في معالجة المخاوف المجتمعية الحرجة التي تتطلب حلولاً جديدة. وذلك من خلال تبني هذا التغيير النموذجي الحاسم، وبذلك ستتمكن البنوك من ربط العمليات الأساسية لديها بمرونة المناخ والتكيف معه.
واضاف، تعكس زيادة حجم التمويل الموجه نحو الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية تحويل المستثمرين لأهدافهم نحو الموضوعات الساخنة التي تشمل تغير المناخ. وينعكس الاهتمام المتزايد بشكل واضح في أنشطة الاستثمارات خلال العقد الماضي حيث ارتفعت الاستثمارات في الصناديق المستدامة من (5) مليارات دولار اميركي في عام 2018 لتصل إلى قرابة 70 مليار دولار أميركي عام 2021؛ ووصلت الإيرادات النقدية الجديدة التي حققتها هذه الصناديق إلى 87 مليار دولار أميركي خلال الربع الأول من عام 2022، و33 مليار دولار أميركي في الربع الثاني. وتُقدر قيمة الأصول المستدامة حول العالم لغاية منتصف عام 2022 بحوالي 2.5 تريليون دولار أميركي.
وقال "يجب أن نضع صوب أعيننا هدفنا الرئيسي والمتمثل في الحفاظ على أمن وسلامة واستقرار هذا القطاع، وفي هذا السياق، تظهر الحاجة إلى توفير اطر اعداد التقارير والارشادات الخاصة بقضايا البيئة والمجتمع والحوكمة التي يمكن أن تساعد المستثمرين على اجراء تقييم أكثر دقة واتخاذ قرارات استثمارية أكثر ملاءَمة".
وبين نائب المحافظ بأن البنك المركزي الأردني أدرك مبكراً أهمية الحفاظ على البيئة وتشجيع الطاقة المتجددة، حيث قام بشمول قطاع الطاقة المتجددة ومشاريع كفاءة الطاقة ضمن برنامجه التمويلي لدعم وتمويل القطاعات الاقتصادية في عام 2013، وذلك إيمانا من البنك المركزي بأهمية هذا القطاع في المحافظة على البيئة وتوسيع نطاق استخدام الطاقة النظيفة في الأردن والتخفيف من أثر تغير المناخ.
وأضاف "كجزء من جهود البنك المركزي الأردني لمواجهة مخاطر تغير المناخ وتأثيرها على الاستقرار المالي، ولمواكبة أحدث الممارسات في التمويل الأخضر، فقد قام البنك المركزي بتاريخ 2023/11/13 بإطلاق استراتيجية التمويل الأخضر (2023 – 2028) التي تم إعدادها بالتعاون مع البنك الدولي وبالتنسيق والشراكة مع جمعية البنوك والقطاع المصرفي والمالي والأطراف ذات العلاقة في القطاعين العام والخاص. حيث تعتبر هذه الاستراتيجية بمثابة خريطة طريق لتمكين البنك المركزي والقطاع المالي من تعزيز التمويل الأخضر والحد من مخاطر تغير المناخ، وتغطي هذه الاستراتيجية قطاع البنوك وشركات التأمين وشركات التمويل الأصغر، كما تمتاز هذه الاستراتيجية بأنها الأولى من نوعها في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وبحيث تكون نموذجا يحتذى به من قبل الدول العربية الشقيقة".
وفي ذات السياق، قال وشاح إن البنك المركزي الأردني يهدف إلى اتباع نهج تدريجي على المدى المتوسط يهدف إلى توسيع نطاق هذه الاستراتيجية لتصبح استراتيجية موجهة نحو "التمويل المستدام" ولتشمل مجموعة متكاملة من العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة، كما يعتزم البنك المركزي الأردني مراجعة توجيهاته الرقابية لتتماشى مع هذا النهج الشمولي وذلك من خلال إصدار الإرشادات المتعلقة بالجوانب البيئية والاجتماعية والحوكمة للقطاع المالي في الأردن.
من جهته قال مدير عام جمعية البنوك الدكتور ماهر المحروق في كلمته نيابة عن رئيس مجلس ادارة الجمعية إن مشكلة المناخ العالمية والكوارث البيئية الناجمة عنها تعد الأكثر تأثيراً وشمولية على المستوى الدولي، حيث أصبحت أجندة أهداف التنمية المستدامة واتفاق باريس للمناخ نقطتي تحول في دفع العمل العالمي لتعزيز التحول نحو الاقتصاد الأخضر ومعالجة التغير المناخي، وهو ما سبب تناميا في التوجه نحو التمويل الأخضر الذي يستهدف تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.
وأضاف على مستوى المملكة، فقد اعتمدت رؤية التحديث الاقتصادي على عنصر الاستدامة كركيزة أساسية لتحقيق اهداف الرؤية، كما أفردت الرؤية فصلاً كاملاً عن البيئة المستدامة من خلال ركيزتين أساسيتين هما الاقتصاد الأخضر والقطاعات الخضراء، لما لهما من تأثيرات إيجابية على الاقتصاد الأردني وعلى تعزيز مستويات النمو الاقتصادية ومعالجة التحديات الرئيسية.
ولفت المحروق الى أنه في ظل الاتجاه المتزايد للتحول نحو الاقتصاد الأخضر، تنامى دور القطاع المصرفي ليشكل لاعباً رئيسياً في دعم وتعزيز هذا التوجه من خلال الأدوات والمنتجات الاستثمارية والتمويلية الصديقة للبيئة والمناخ، والتي تمتاز بالقدرة على توجيه الاستثمارات نحو الأنشطة التي توازن بين الأهداف الاقتصادية والبيئية والاجتماعية مثل السندات والصكوك الخضراء، والقروض الخضراء، وصناديق الاستثمار الخضراء، وغيرها.
واشار الى أن الجهود الحثيثة المبذولة لتخضير القطاع المالي من خلال إطلاق البنك المركزي الأردني لاستراتيجية التمويل الأخضر للأعوام 2028-2023، والتي تمثل خريطة طريق نحو الاستدامة. وفي هذا السياق، فقد سعت جمعية البنوك على مدار الأعوام الماضية إلى تعزيز وبناء الخبرات والقدرات في مجال التمويل الأخضر؛ بداية من تشكيل لجنة التمويل الأخضر عام 2022، وإطلاق تقرير على طريق الاستدامة لعام 2023، وتجديد اتفاقية التعاون مع مشروع تعزيز الأنشطة الخضراء في المنشآت الصناعية في الأردن (GAIN) بهدف استكمال جانب رفع الوعي وتعزيز القدرات في جانب التمويل الأخضر، إضافة لتوقيع اتفاقية اطارية لبناء القدرات في جانب الحوكمة البيئية والاجتماعية (ESG) مع مؤسسة التمويل الدولية (IFC). وقد انضمت الجمعية مؤخراً إلى شبكة الخدمات المصرفية والتمويل المستدام (SBFN) والتي تضم ممثلي القطاع المالي والهيئات الرقابية والإشرافية في أكثر من 65 دولة.