أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    03-May-2018

أين يوجد الفقراء في الأردن بعد أن نحصيهم ونعرف نسبتهم؟

 ...قراءات تنموية

الغد-أحمد أبو خليل
 
السؤال "أين يوجد الفقراء؟" تاريخ وسيرة! ذلك أنه يختلف عن سؤال: "أين يوجد الفقر" كظاهرة على العموم؟ فهذا السؤال الأخير وجد إجابته أو إجاباته النسبية من خلال تحديد مواقع جغرافية صنفت كمواقع فقيرة.
لكن سؤال: أين يوجد الفقراء؟ وكيف نستطيع الوصول إليهم؟ لم تكن إجابته بالسهولة المتوقعة، حتى عند المختصين وأصحاب القرار.
لقد احتاج الأمر زمنا طويلا حتى تكتشف الجهات ذات الصلة أن الفقراء لا يوجدون أو لا يقتصر وجودهم على المواقع التي حددتها أو أعلنت عنها. 
واليوم يتوفر أمام العاملين في حقلي البحث والإعلام، العديد من الأجوبة على السؤال ذاته، تتمثل في البيانات والأرقام والشكاوى والمشاهدات والتقارير، وخلاف ذلك. 
سيتبين من العرض المختصر التالي أن الحكومات، ممثلة بوزارة التخطيط على وجه التحديد، انتقلت خلال عشرين عاما بين ثلاثة مفاهيم رئيسية هي: المناطق "الأقل حظا"، ثم مناطق "جيوب الفقر"، وأخيرا المناطق "ذات الخصوصية التنموية". 
في كل الأماكن 
في أول تعامل رسمي حكومي مركزي مع قضية الفقر، وكان ذلك في منتصف ثمانينيات القرن العشرين، أعلنت الدراسة الحكومية الأولى آنذاك عن نسبة فقر بلغت 4 % وهي نسبة لم تكن لتجعل من الفقر قضية كبرى أو أزمة تنموية مستعصية، وقد تكونت هذه النسبة في الغالب من الأفراد أو الفئات التي لا تستطيع تحصيل الدخل لأسباب صحية جسدية أو نفسية أو اجتماعية، كالإعاقات والأمراض، أو الأسر بلا معيل، وما شابه ذلك، وهي الفئات التي أسست لأجلها أول مؤسسة وطنية تعمل في موضوع الفقر، وهي صندوق المعونة الوطنية (العام 1986)، التي سنرى أنها الفكرة الوحيدة التي ما تزال ذات مهمة ترى بالعين المجردة. 
وفق شهادات موظفين قدامى في الصندوق، فإنهم عمليا كانوا يبحثون عن الفقراء في مواقعهم، التي كانت -وما تزال- موزعة على مختلف المدن والقرى والمخيمات ولا تقتصر على محافظات أو ألوية أو جيوب فقر محددة. 
في العام 1994 أصدر البنك الدولي دراسة موسعة بعنوان "تقييم الفقر في الأردن" والتي شكلت نصيبنا من حوالي 70 دراسة مماثلة أصدرها البنك لدول أخرى في العالم الثالث تحمل العنوان نفسه مع تغيير في اسم البلد، وحصلت ابتداء من ذلك التاريخ نقلة نوعية في الإجابة على سؤال الفقر ومكانه ومكوناته. 
منذ عقدين، أخذت حسابات الفقر ومعرفة أماكن تواجده، تعتمد على نتائج المسح العام الذي تجريه دائرة الإحصاءات العامة لدخل وانفاق الأسر الأردنية، وهو إحصاء شامل ويجري مرة واحدة كل عامين، وهو غير مخصص لغايات دراسة الفقر، ويجري على عينة وطنية واسعة، لكنه يوفر العديد من البيانات والمعلومات التي يجري عادة الاستفادة منها في تقدير نسب الفقر وتوزيعه. 
وعندما أعلنت أول نسبة "صادمة" للفقر المستجد هذا! بعد سنوات من الدخول في عصر الإصلاح والتكييف الهيكلي، وكان ذلك العام 1997 حيث أعلن عن نسبة 21 %، صار من الضروري تحديد مواقع هؤلاء الفقراء. 
وتحمل الذاكرة جلسة بحثية عقدت في الجامعة الأردنية في ذلك الوقت؛ لمناقشة تلك النسبة الصادمة، وكان من بين الحضور ليلى شرف، التي وقفت في إحدى الجلسات وطرحت السؤال البسيط: أين نجد الفقراء الذين سنكافح فقرهم؟ وكان السؤال على بساطته بدا حينها محيرا بالفعل، ولم يقدم الحضور أية إجابة مقنعة! 
المناطق الأقل حظاً 
لقد ثبت أن سؤال أين يوجد الفقراء صعب، وقال المعنيون : لقد أحصينا نسبة الفقر وحسبنا عدد الفقراء ولكن أين نجدهم؟ 
ولهذا خضعت إجابته للعديد من الاجتهادات، واستقر الأمر مع أول خطة مركزية لمواجهة الفقر على الاستعانة بخبرات "بنك تنمية المدن والقرى" في مجال الجغرافيا التنموية، وقد دخل البنك شريكا مع وزارة التخطيط، وجرى البحث عن المناطق الأسوأ حالا تنمويا، والتي سرعان ما سميت "الأقل حظا"، وقد اشتهر هذا المفهوم، وأعلن في البداية عن 14 موقعا (أحياء في مدن أو قرية كاملة أو مخيم) على أن تليها مجموعة أخرى من المناطق.
وانيطت مهمة تحديد الفقراء بالحكام الإداريين، بعد تعيين ضباط ارتباط في كل محافظة ينوبون عن برنامج مكافحة الفقر، ولكن الإحصاءات اللاحقة لم تظهر جدوى تلك الإجابات. 
لم يصمد مفهوم "المناطق الأقل حظا" طويلا، فقد خدم في أواخر التسعينات ومطلع القرن الجديد، ولكنه عجز عن wتقديم جواب شاف، ورغم المال الذي أنفق على مخرجاته، وهو تجربة لم تعد تذكر حتى في سياق التأريخ. 
جيوب الفقر 
بعد ذلك تم التوصل إلى المفهوم الشهير "جيوب الفقر" وذلك في العام 2005 بعد صدور تقييم البنك الدولي الثاني للفقر في الأردن العام 2004. 
وحددت جيوب الفقر بالألوية التي تفوق فيها نسبة الفقر 25 % (في أول إحصاء كانت النسبة 27 %) وأصبحت النسب تُحسب على مستوى الأقضية بدل الألوية.
والمفهوم ما يزال معتمدا ولم يتم التخل عنه بشكل رسمي، وإن كانت هناك نوايا لاستبداله لا سيما مع تغير المداخل المعتمدة دوليا بالتوجه نحو اعتماد مدخل الأسر الفقيرة كوحدات مستهدفة بغض النظر عن مواصفات مكان إقامتها. 
إن نقطة ضعف المفهوم تتمثل في أن التوزيع السكاني للفقر يقول إن العدد الأكبر من الفقراء يعيش خارج جيوب الفقر. فبينما تتركز جيوب الفقر في المحافظات والمناطق البعيدة نسبيا عن العاصمة ومراكز المحافظات، فإن عدد الفقراء في هذه الجيوب مجتمعة يبلغ 261 ألف نسمة من أصل العدد الاجمالي لسكانها والبالغ 826 ألف نسمة، وفق آخر إحصاء نشرته دائرة الإحصاءات العامة العام 2012 حول تقديرات الفقر في الأردن. 
مناطق ذات الخصوصية 
في آب (أغسطس)الماضي أعلنت وزارة التخطيط أن النية تتجه لاعتماد مفهوم جديد يعكس توزيعا جغرافيا جديدا للفقر والفقراء في الأردن، وذلك تجاوبا مع اتجاه دولي! للتخلي عن مفهوم "جيوب الفقر"، وذلك بعد أن تبين أن الفقراء يتواجدون في تجمعات موزعة على مختلف المواقع، ولهذا فإن الوزارة تدرس استخدام مفهوم "المناطق ذات الخصوصية التنموية". 
ترافق الكلام عن هذا المفهوم مع خطة جديدة لمكافحة الفقر على مستوى الأسر، وهي خطة لم تحظ بالتغطية الإعلامية اللازمة، وتندر التقارير الرسمية حولها، مع انه يفترض أنها تكمل الآن سنتها الثالثة. 
العرض السابق يتيح لنا الخروج بملاحظة نطرحها هنا للنقاش: ذلك أن موضوع الفقر عندما كان يناقش بأدوات ومفاهيم وطنية، ابتداء من منتصف الثمانينات، أنتج الفكرة أو المشروع الوحيد الذي ما يزال قائما إلى الآن، وهو "صندوق المعونة الوطنية". 
ورغم أن مهمته وقانونه يقولان بوضوح إنه ليس مؤسسة تنموية اقتصادية وليس مؤسسسة لمعالجة الفقر على العموم، بل هو مختص بفئات محددة تحتاج لمعونة مالية مؤقتة أو دائمة، لكنه تمكن في بعض السنوات من تجاوز هذا الدور، وذلك رغم تعرضه لهجوم ومحاولات لإنهائه أو دمجه في الخطط الجديدة، حيث أوصت بذلك بوضوح دراسة للبنك الدولي. 
في ذلك الوقت، ووفق أبرز مؤسسي الصندوق د. محمد الصقور، فإن الموضوع نوقش على المستوى الوطني المحلي الأردني، ولم يعثر فريق البحث على دراسات يمكن الاستفادة منها، ذلك ان البنك الدولي لم يكن حتى ذلك الحين قد دخل إلى عالم الفقر "كمكافح"، بل كان دوره يقتصر على "صناعة الفقر" من خلال سياساته وحزم المشاريع والخطط التي يقدمها للدول، إلى أن ابتدأت مرحلة الدمج بين صناعة الفقر ومكافحته في آن. 
نعم، لقد تغيرت الظروف والمعطيات بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود، لكن ما الذي يمنع من استعادة جوهر منهجية التفكير الوطني وبالمفردات الوطنية في موضوع غاية في الخصوصية كالفقر والفقراء؟