أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    12-Nov-2019

الفقراء مستودع الثروة*جمال الطاهات

 الدستور-كما أن «الفقراء ملح الأرض»، فهم أيضاً مخزون للثروة، إذا تمكنوا من الافلات من فقرهم. وهذا موقف لمفكر اقتصادي عظيم مثل جون كينز، حيث يؤكد على أن النظام الاقتصادي الذي ينتج الثروة هو الذي يجعل «الهروب من الفقر ممكناً لأي شخص يتجاوز حد المتوسط».

النظام الاقتصادي الجيد الذي يمنح الفقراء -ذوي القدرات التي تتجاوز الحد المتوسط - فرصة للانفلات من حلقة الفقر، هو بذات الوقت يقدم فرصة للأغنياء لنمو ثرواتهم، ليس عبر افقار الفقراء بل عبر إشراكهم بانتاج الثروة وتعظيمها. مساعدة الفقراء للانفلات من مصيدة الفقر، ليس مجرد عمل خيري، بل هي مهمة أساسية للوصول إلى معدلات عالية لنمو رأس المال، وبالتالي زيادة ثروات الأغنياء.
تقديم فرصة للفقراء للتحرر من فخ الفقر عبر ادماجهم بحلقة تشكيل رأس المال، هو الحل للتناقض النظري ما بين توزيع الثروة، والاستمرار بتراكم رأس المال. الحقائق الاحصائية عن النصف الثاني للقرن العشرين، أكدت أن توسيع قاعدة الاستهلاك شرط من شروط نمو رأس المال، الذي ينمو منذ قرابة السبعين عاماً بمعدلات غير مسبوقة، ليس فقط عبر السيطرة على الهوامش المنحفضة لفائض القيمة (بالمعنى الماركسي)، ولكن عبر توفير فوائض تزيد كثيراً عن «الرقم القياسي لكلفة المعيشة». إذ ظهرت فوائض جديدة متعلقة باقتصاديات الرفاه من جهة، وبتوظيف الادخارات من جهة أخرى. وبسبب ميل الفقراء لاستهلاك مدخولاتهم لتلبية احتيجاتهم المتزايدة، فإن زيادة هذا الدخل يصبح محركاً لنمو الطلب. فأي زيادة في دخل الفقراء هي نمو صافي للطلب المحلي، وماكينة لإدامة نمو رأس المال. وفرصة لتقليل حدة الصراع الاجتماعي المرافق لنمو رأس المال. إذ أن وفرة المال تقلل حدة الصراع للحصول عليه.
إشراك الفقراء (الذين يتجاوزون الحد المتوسط) في حلقة تكوين رأس المال، يعيد توزيع مخاطر الاستثمار، ويحولهم إلى قوة محركة لاشراك غيرهم من الفقراء وإلحاقهم بالسوق من خلال العمل المنتج، وزيادة صافي الثروة. وإذا لم يتم إشراك الفقراء في العملية الانتاجية، سيبقون رصيداً للأنشطة السوداء التي تهدد وحدة المجتمع ومستقبله، ويدمرون فرص نمو رأس المال، ويدفعونه للهروب بحثاً عن فرص الربح.
ما الذي يمكن عمله في الأردن حتى يتم إشراك الفقراء بحلقة تشكل رأس المال؟ صحيح أن التخلص من وهم «ضرورة الاحتكار» لنمو رأس المال وتصفيته هي الخطوة المركزية الأولى، ولكن هناك أوهام أخرى يجب التحرر منها. أولها وهم اعتماد المشاريع الكبرى لحل مشكلة الفقر والبطالة. هذه المشاريع مصمة لارتياد آفاق جديدة للاستثمار وتعتمد على كثافة توظيف رأس المال، وأولويتها هي زيادة معلات التراكم الرأسمالي. ومن الوهم الاعتقاد بأنها تصمم لتفكيك مصيدة الفقر. والوهم الثاني هو الاصرار على المغالطة المنطقية والعملية بتكليف الحكومات المركزية بإدارة التنمية المحلية والمشاريع الصغيرة.
التحرر من الاوهام الثلاثة، وادماج الفقراء في الحلقة الاجتماعية لتشكيل رأس المال، ومنحهم شيئاً اكثر من فقرهم، تعني تغيير طريقة تنظيم وتفعيل عناصر الانتاج. وهذا متاح بتحويل البلديات وأنظمة الحكم المحلي، لتصبح المنظم الجديد للتنمية المحلية والمشاريع الصغيرة. كل عناصر الانتاج موجودة وقابلة للتوظيف على المستوى المحلي. والمطلوب تفعيل الإطار المؤسسي للحكم المحلي لجمع عناصر الانتاج المحلية بطريقة فعالة.
عندها لن يبقى الفقراء فقط ملح الأرض، بل محرك لانتاج الثروة ونمو رأس المال، ومن يتجاوز الحد المتوسط لا يفلت من فقره الخاص وحيداً، ولكنه يسحب معه آخرين، ويقدم نموذجاً لغيره من الفقراء عن المسارات والوسائل لتفكيك مصيدة الفقر، وزيادة الثروة وتحقيق نمو رأس المال.