الدستور
منذ إعلان التعامل بقانون الدفاع وكل مقالاتي تقريبا عن الزراعة والغذاء، لأنني أعتقد بأنها أزمتنا التالية التي تتفاقم يوما بعد يوم لأسباب كثيرة، بعضها تنظيمية وأخرى يصعب حلها لأنها من انتاج نفوس وقلوب وعقول رديئة مريضة، نعرفها جميعا ونؤكد بأنها المرض الحقيقي الذي يخرب بلدان عامرة.
قبل كل شيء يجب أن يعلم الجميع وللمرة المليون: لا علاقة لوزارة الزراعة بتحديد سعر منتجات زراعية ولا بمراقبة سوق، إلا ما تعلق بجودة وسلامة المنتجات الزراعية وتنظيم تدفقها للمواطن، لكنها لها كل العلاقة بحماية الزراعة والمزارعين، وهو مما تفعله قبل وأثناء وبعد الجائحة وقانون الدفاع، وفيها كوادر أيضا لا تنام منذ أسبوعين، «تجاهد» و»تكابد» وتعاني كل شيء، من أجل المحافظة على الإنتاج الزراعي و»تناضل» من أجل تيسير سبل وصوله إلى المستهلك، وشاهدنا آلاف الأطنان من المنتجات الزراعية تتدفق من المزارع في كل بقعة من الأردن، باتجاه الأسواق المركزية.
كنت سعيدا جدا حين كان رئيس اتحاد المزارعين في وادي الأردن «المهندس عدنان خدام» يبث فيديو مباشرا، يتحدث فيه عن استئناف العمل في المزارع، وقطف المحاصيل، ويسمح لهم بأن يعلنوا أسعارها من المزرعة، وقال فيما قال وقالوا:إن سعر صندوق البندورة «10 كغم» يخرج من المزرعة بسعر لا يتجاوز 3 دنانير ونصف في أحسن الأنواع والأحوال، وهو صادق والمزارعون كذلك.
يوم الجمعة ذهبت إلى السوق المركزي «جنوب عمان»، ليس فقط لأفهم الصورة من هناك «فأنا تقريبا أفهمها منذ عقود»، لكن أيضا لأتسوق بدوري، حيث اشتريت خضارا وصلت الى 5 بيوت من قرايبي، وشاهدت فيما شاهدت: وزير الزراعة يتجول في السوق، ويتجمع حوله المواطنون وهم التجار وسائقو البكبات، الذين نقلوا المنتجات الزراعية من المزارع، ولم يتمكنوا من الخروج والعودة الى بيوتهم بسبب عدم وجود تصاريح، وكذلك آخرون قدموا إلى السوق وحملوا خضارا وفواكه لكنهم يخشون أن تحجزهم الشرطة قبل أن يوصلوها المحلات التجارية في عمان وغيرها، معضلة لا علاقة لوزارة الزراعة بها ولا تملك صلاحيات «لا دفاعية ولا هجومية» للتعامل معها، ومع ذلك استطاع الوزير أن يقنع إدارة الأزمات بأن يسمحوا لمن نقل منتجات من المزارع باتجاه السوق المركزي، أن يعودوا الى بيوتهم ومناطقهم بناء على بيان الشحن الذي حصلوا عليه من السوق المركزي، حيث لا يمكن لأحد أن يحصل على مثل هذا البيان إلا إن أحضر فعلا شحنة من الخضار والفواكه، فهو قام بإحضارها وتم السماح له بالحركة بناء على أمر الدفاع 1 و2 و3 .. فهي سيارات نقل بضائع وسلع وسمح لها بالتحرك، لكن لم تتحدث الأوامر عن حركتهم بعد أن يفرغوا حمولتهم، وهذا ما استطاع الوزير أن يأخذ عليه موافقة وبسرعة لحل مشكل التجمعات اللاصحية والمخالفة لكل متطلبات السلامة العامة.
وشاهدت استغلالا متوحشا من قبل البعض في السوق المركزي، حتى عرباية النقل أصبحت تأخذ على نقل البكس 5 دنانير، علما أنهم لا يجرون العربة لأكثر من مسافة 200 متر ! وهذه كلفة إضافية على تاجر التجزئة، أما عن أسعار السوق، فهي كهبوب الرياح، ويديرها شباب «اشي بكتب وبقرا وإشي أمي لا يمكنه كتابة اسمه»، يجيبك بصراخ وتعال حين تسأله عن السعر، ولو كنت في القرية وخاطبني أحد هؤلاء بهذه الطريقة لأطلقت عليه رصاصة بلا أدنى تردد.
تم بيع صندوق البندورة الذي حدثنا عنه فيديو عدنان بضعف السعر، فوصل في بعض الأحيان الى 7 أو 12 أو 15 دينار له ولمنتجات أخرى، فهناك في السوق المركزي أكثر من 3 فئات من التجار، الأول يملك محلا وأرضية، يشتري البضاعة من المزارعين، ثم يشتريها منه آخر ويكومها أمام المحل على أساس أنها مبيوعة بالنسبة لصاحب المحل، ثم يقوم تاجر آخر تأخر في الوصول أو لا يملك علاقات مع التاجر صاحب المحل في السوق المركزي، ويبدأ بالشراء لكن بسعر أعلى، ثم تاجر ثالث يكوم البضاعة في منتصف ساحة السوق ويبيعها بسعر آخر، ويستخدم مكبرات صوت هذه المرة للتدليل على بضاعته.. هكذا « يطير سعر الخضار والفواكه بين 3 أو 4 تجار»، يشترون ويبيعون على الفورحتى من ع العرباية ممكن يبيعها التاجر إن حصل على ربح معقول، وتنتهي رحلة الخضار والفواكه اليومية في المحلات، لكن بأسعار قد تتضاعف 3 أو 4 مرات عن سعرها الذي حدده المزارع المسكين.