أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    19-Jul-2017

ظاهرة توسع الفجوة بين نسبة النمو ومعدلات التوظيف في دول عربية

 الحياة-ذكاء مخلص الخالدي
 
غيرت التطورات العالمية، من تكنولوجيا متسارعة وعولمة وأزمات مالية واقتصادية، الكثير من المفاهيم الاقتصادية التي كانت تؤخذ على أنها من المسلّمات. وفي مقدم هذه المفاهيم العلاقة بين معدلات النمو الاقتصادي ومعدلات التوظيف. فمن المعروف أن ارتفاع معدل النمو الاقتصادي لبلد ما يعتبر مؤشراً الى ارتفاع معدلات التشغيل، وبالتالي انخفاض عدد العاطلين من العمل. وتنبع هذه العلاقة البسيطة من حقيقة أن الإنتاج الذي يقاس به معدل النمو الاقتصادي يتحقق من عاملين أساسيين هما العمل ورأس المال. لذلك كلما ارتفع الإنتاج وبالتالي معدل النمو الاقتصادي، كان مؤشراً الى ارتفاع معدل التشغيل ونوعية رأس المال المستخدم أو كميته في العملية الإنتاجية.
 
هذه المعادلة لا تعني أن هذا المفهوم لم يعد صحيحاً، ولكنه لم يعد مسلماً به كما كان. مع ذلك، فمنظمات دولية كثيرة كالبنك الدولي وصندوق النقد والمنتدى الاقتصادي الدولي، لا تزال تعتمد في تقويمها لاقتصادات الدول على المؤشرات الكلية وفي مقدمها معدل النمو الاقتصادي. وقد لاحظ الجميع أن تونس، التي بدأ فيها ما أصبح يعرف بـ «الربيع العربي»، كانت تعتبر من جانب المنظمات الدولية نموذجاً يجب الاحتذاء به في الأداء الاقتصادي وتحسن البنية التحتية وملاءمة مناخ الأعمال خصوصاً الجاذب منه للاستثمارات الأجنبية. وما ان بدأ الحراك الشعبي في تونس، عندما أحرق بائع خضار نفسه احتجاجاً على أخذ الشرطة عربته، حتى اندلعت ثورة شعبية اجتاحت البلاد خلال فترة قصيرة وتسببت في تغيير النظام ورأسه. وأثار الموضوع في حينه الاستغراب بين المديح الذي كانت تكيله المنظمات الدولية، معتمدة على بعض مؤشرات الاقتصاد الكلي، وبين معاناة الشعب المكبوتة والتي انفجرت في أول لحظة أتيحت لها.
 
إن اهتمام المنظمات الدولية، خصوصاً تلك التي تقدم القروض، بالمؤشرات الكلية، يدفع حكومات الدول التي تلجأ إلى هذه القروض، إلى تكريس جل اهتمامها على تلميع هذه المؤشرات خصوصاً أنها أسهل تحقيقاً من المؤشرات الأخرى التي تمس الحياة اليومية للمواطنين ويأتي في مقدمها توسيع فرص العمل.
 
وبعد تونس بدأ الأمر يتكرر اليوم في المغرب. ففي وقت حقق المغرب طفرة اقتصادية خلال العقدين الماضيين، ويتوقع أن يسجل الاقتصاد أفضل أداء له منذ سنوات بنسبة نمو قد تتجاوز الـ4,5 في المئة وانخفاض عجز الموازنة إلى 3 في المئة ومعدل تضخم لا يتجاوز الـ1,7 في المئة، شهدت مدينة الحُسَيمة في شمال المغرب أخيراً تظاهرات. وجاءت الأخيرة نتيجة لتراكم الضغوطات منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2016 بعد أن قتل بائع سمك سحقاً بعربة جمع النفايات، عندما حاول إنقاذ السمك الذي أخذته الشرطة منه بالقوة. وأعقبت الحادث تظاهرات متكررة في الآونة الأخيرة في الحُسيَمة ومدن مغربية أخرى تطالب بوضع حد لتهميش المجتمع في تلك المنطقة وتوفير أفضل للخدمات مع المطالبة بزيادة فرص العمل والديموقراطية. مع العلم أن المغرب يحاول تعديل نموذجه الاقتصادي بحيث يزداد نطاق التنمية ليشمل الأرياف والمناطق البعيدة من العاصمة وتشجيع المزارعين على البقاء في أراضيهم من خلال تنفيذ برامج إصلاحية تحقق نماذج أكثر عدالة لتوزيع الدخل الذي تنتجه عملية التنمية.
 
وصنّفت مؤسسة Heritage Foundation المعنية بالمؤشرات الاقتصادية المغرب في صدارة دول شمال أفريقيا وجنوب البحر المتوسط، في مجالات الحرية الاقتصادية وحماية الملكية الفكرية وضمان الاستثمارات الأجنبية وتنوع مصادر الدخل. وعلى رغم المكتسبات الكثيرة التي حققها المغرب خصوصاً في مجال الانطلاق الصناعي، لا يزال يعاني ضعفاً كبيراً في مجال توفير فرص العمل خصوصاً بين الشباب.
 
ويعود سبب ضعف فرص العمل الكامنة في المغرب إلى أن معظم الاستثمارات التي يتم ضخها في الاقتصاد المغربي تذهب إلى البنى التحتية كالطرق السريعة والمطارات والقطارات والمشاريع الكبيرة، بما فيها مشاريع الطاقة المتجددة التي تعطي نتائج اقتصادية جيدة في الأمد الطويل ولكنها لا تؤمّن فرص عمل كافية في الأمدين القصير والمتوسط. اذ يدخل سوق العمل سنوياً حوالى 350 ألف طالب عمل إضافي غالبيتهم من حملة الشهادات الجامعية ولا يحصل نصفهم على وظيفة مناسبة، ما يضعهم في خانة العاطلين من العمل. ويعتبر المغرب وفقاً لنشرات البنك الدولي ثالث دولة عالمياً، بعد الصين وكوريا الجنوبية، في معدلات الاستثمار قياساً بإجمالي الناتج المحلي ولكنها لا تؤمّن دينامية مماثلة في سوق العمل حيث تظل نسبة البطالة عالية بين الشباب خصوصاً أصحاب الشهادات الجامعية والتي تقدر بـ22,5 في المئة ضمن الفئة العمرية 15-25 عاماً، و13,5 في المئة ضمن الفئة العمرية 25-34 وتتجاوز الـ30 في المئة بين الإناث.
 
ويسعى المغرب إلى تغيير نموذجه الاقتصادي والتحول نحو التصنيع والتصدير خصوصاً في قطاعات السيارات والطائرات والقطارات والطاقة المتجددة، إضافة إلى تعزيز دوره في القطاعات التقليدية كالملابس والغذاء والأدوية. ولكن سيناريو الإقلاع الصناعي وزيادة الصادرات الذي يستوجب تحديث الاقتصاد، قد يعمق الهوة بين معدل النمو الذي يحققه الاقتصاد المغربي في المستقبل وعدد الوظائف المتاحة، بسبب الميل إلى الاستخدام الأوسع للتكنولوجيا الحديثة والروبوت. وهذه حالة لا تهدد المغرب فقط بل دولاً عربية أخرى تسعى إلى تحديث اقتصاداتها وزيادة الاستثمارات من دون ربط هذا النمو بالزيادة في عدد السكان والتوسع الحضري وما يخلقه من زيادة في عدد الباحثين عن فرص عمل، وما تنتجه هذه الحالة من ضغوط اجتماعية وسياسية تحد من الآثار الإيجابية لارتفاع معدلات النمو الاقتصادي.