أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    30-Apr-2017

لماذا يتخوّف اللبنانيون من ثروة الغاز؟* وليد خدوري

الحياة-من المفروض أن يتفاءل اللبنانيون بإمكانية اكتشاف ثروة بترولية في مياههم البحرية. وهكذا كان الأمر عند بدء الاكتشافات في الدول المجاورة وإطلاق دورة التراخيص الأولى اللبنانية قبل سنوات. لكن الحذر يعم حالياً شريحة واسعة من اللبنانيين من اكتشاف الغاز الطبيعي في بلادهم بعد طفرة الأمل والفرح الأولية. والخوف ناتج من شيوع الفساد وفقدان المحاسبة والمساءلة اللازمتين، ومن ثم الحذر ناتج من ازدياد ثروة المفسدين وإمكانية تسلطهم على مزيد مقدرات البلاد.
 
يعود السبب الرئيس في التغيير الكبير في آراء الرأي العام إلى الحذر من الفساد وطغيان نفوذ السياسيين على هذه الصناعة الفتية والموعودة. فكلما يثار موضوع الغاز، يتساءل المواطن: لماذا هذا التأخير في إطلاق جولة التراخيص الأولى بعد سنوات من الإعلان عنها، ولماذا هذا التأخير في التنقيب عن الغاز في حين اكتشفت الدول المجاورة حقولاً ضخمة في مناطقها البحرية، بل ووقعت عقود تصدير إقليمية وتخطط لأنبوب لتصدير الغاز إلى أوروبا؟ وتنصب معظم الأسئلة على الفضائح. من هو وكيل هذه الشركة النفطية أو تلك، ومن اُّتفِق عليه من بين السياسيين ليستلم مسؤولية هذه القطعة البحرية أو تلك؟
 
الطامة الكبرى غياب المعلومات والأسماء وانتشار الإشاعات التي تعزز الشكوك بنشوء صناعة بترولية ترفد الاقتصاد الوطني في وقت يحتاج لبنان إلى صناعة اقتصادية جديدة تساعد على الانطلاق إلى تنويع وتوسيع القطاعات الاقتصادية للبلاد، التي يتعثر كثير منها لأسباب متعددة، بعضها سياسي داخلي أو جيوسياسي إقليمي، مثل السياحة وتجارة الترانزيت والصادرات الزراعية. يكمن العامل المشترك في هذه التساؤلات في الهوة العميقة بين المواطن والطبقة الحاكمة. وازدادت الهوة مع تأهل شركتين في دورة التراخيص الأولى من دون حصولهما على المواصفات المطلوبة من الخبرة العملية للاستكشاف في البحار العميقة أو توافر رأس المال الكافي لهما والمنصوص عليه رسمياً.
 
وأُثيرت خلال الأسابيع الماضية عبر الإشاعات ووسائل الإعلام، وحتى في مجلس النواب، قصة طلب أحد المستنفذين من إحدى الشركات النفطية الأوروبية المرموقة مبلغ 100 مليون دولار مقدماً ومن ثم 10 في المئة من أرباحها السنوية في لبنان في مقابل وساطته لمنحها امتياز العمل في ثلاث قطع بحرية، وكما هي العادة لم يذكر اسم هذا المستنفذ. وأثار بعض النواب هذه القصة، وبدأت الاتصالات مع سفير دولة الشركة للاستيضاح عن التفاصيل، وجرى أثناء النقاش النيابي التعهد بالإعلان عن أسماء المتورطين في هذه الفضيحة حال استلام الجواب من الشركة أو سلطات البلد المعني. وأعرب كثر من المواطنين عن شكوكهم في الحصول على تفاصيل أكثر حول هذا الأمر، لكن لم يتم نشر أي تفاصيل إضافية حتى الآن.
 
تُعتبَر تجربة لبنان فريدة في هذا المجال. ففي العادة تترقب الدول بدء الاكتشاف عن البترول، والعثور على الحقول، ومن ثم تبدأ الأسئلة وتبرز الفضائح وما أكثرها. هناك فضائح بترولية في الدول الكبرى والعديد من الدول المنتجة، لكنها تبرز بعد الانطلاق في بناء صناعة بترولية أولاً. ومن غير المنطقي للبنان انتظار القضاء على الفساد والتخلص من الطائفية في نظامه السياسي قبل البدء بتشييد صناعة بترولية. وعلى رغم أهمية، بل وضرورة القضاء على الفساد وإنهاء النظام الطائفي، من الصعب تصور تنفيذ هذه الخطوات المهمة والضرورية قبل انطلاق الصناعة البترولية، خصوصاً بعد اكتمال عمليات المسح السيزمي المشجعة في المياه اللبنانية والاكتشافات في المناطق المجاورة.
 
من المثير للانتباه في لبنان، أن من الأسئلة الأولى التي يطرحها المواطن، حتى في الفترة الأولى التي ساد فيها نوع من التفاؤل، السؤال التالي: هل النفط نعمة أم نقمة؟ وجاء طرح هذا التساؤل على ضوء الأزمات العربية المتتالية التي أدى النفط فيها دوراً مهماً، إما من خلال تدخل الدول الكبرى للدفاع عن مصالح شركاتها، أو من خلال الغنى الفاحش لبعض السياسيين وأزلامهم الذين استغلوا غياب الشفافية والمساءلة لتتراكم في حساباتهم الشخصية بلايين الدولارات. وهنا يمكن تفهم التخوف، لكن السؤال الذي يجب أن يُطرح هو: هل النفط هو سبب النقمة، أم أن المشكلة تكمن في أنظمة الحكم، خصوصاً المستبدة؟
 
أخيراً، لا بد من التنويه، على رغم الصورة القاتمة عند الرأي العام، بأن أمام لبنان في حال اكتشاف احتياطات بترولية وافرة، فرصة ثمينة لتأسيس شركة نفط وطنية مشتركة بين القطاعين العام والخاص، بحيث تُطرَح أسهم هذه الشركة في بورصة بيروت. وتكمن أهمية هذه الشركة في النجاح الذي حققه القطاع الخاص في استثمار رأس مال لبناني إلى جانب أموال الدولة في قطاع منتج، وفي فتح المجال للشركة الوطنية في العمل تحت إشراف كل من القطاعين العام والخاص بعيداً عن الهيمنة الكاملة للدولة خصوصاً في ضوء نظامها الطائفي، وفي توفير دعم حيوي لبورصة بيروت، وفي فتح المجال للمهنيين وذوي الخبرة من اللبنانيين واللبنانيات في العمل في البلاد، هذا مع الأمل بإمكانية عمل الشركة الوطنية اللبنانية العتيدة لاحقاً في دول أخرى كما تفعل شركات صناعية وهندسية لبنانية كثيرة.
 
 
 
 
 
* كاتب عراقي متخصص بشؤون الطاقة