أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    06-May-2019

الإصلاح السياسي وإنقاذ الاقتصاد*د.باسم الطويسي

 الغد-جوهر الديمقراطية بمفهومها التاريخي والاجتماعي اقتصادي، وهيكلها العظمي يبنى بالاقتصاد وليست السياسة سوى منهجية لإدارة الخيارات الاقتصادية؛ اي خيارات المجتمع في برامج الخدمات والبنى التحتية والتعليم والصحة وإدارة الأسواق وإدارة العمل وغير ذلك، في بلادنا وعلى مدى عقود يحدث العكس تهيمن الاعتبارات السياسية على الاقتصاد ثم نصل في كل مرة إلى طريق مسدود فندفع الثمن سياسيا واقتصاديا. 

وعبر التاريخ الحديث يتصارع السياسيون على أفضل البرامج الاقتصادية التي توفر حلولا لمشاكل المجتمعات. ما يؤكد ان الديمقراطية ليست نظاما سياسيا صرفا، بل مجرد آلية لتحقيق مصالح الناس، وفي الغالب هي مصالح اقتصادية ترتبط بالعيش والعدل والكرامة، واذا ما وجد الناس أن حقوقهم في العيش والحياة الكريمة قد اهتزت فحتما سوف يجدون أنفسهم أمام لحظة الحقيقة أي التساؤل عن المنهجية أو الطريقة التي تدار بها الدولة والمؤسسات. 
في الجهة الأخرى، سادت نقاشات واسعة حول أولوية الاصلاح الاقتصادي وتحقيق العدالة الاجتماعية على الاصلاح السياسي، وهي أيضا أحجية أخرى لبيع الأوهام، بل أثبتت الخبرات الدولية أن كل مجتمع بحاجة إلى إعادة تعريف الاصلاح السياسي لكي ينسج مع المصالح الاقتصادية أولا وقبل أي اعتبار آخر، وهنا نفهم أن الحوكمة والشفافية وحرية التعبير والانتخابات النزيهة والبرلمانات القوية لا تطعمهم خبزا، ولكنها تعلمهم ألا يسرق خبزهم وألا يفسد. 
في العديد من اللغات الآسيوية يربط مفهوم الديمقراطية، بالديمقراطية التي تطعم من الجوع ؛ لا قيمة للديمقراطية إذا لم تعمل أولا من اجل الفقراء ومن اجل الطبقة الوسطى ومن اجل الشباب ومن اجل النساء.
لماذا بات الناس في هذا الجزء من العالم لا يكترثون بالانتخابات ولا يمنحون وزنا للبرلمانات الهشة والضعيفة ولا حتى للمجتمعات المدنية ومؤسساتها، فيما تتراجع الثقة العامة في الدولة والمؤسسات ونظم الثقافة والتعليم والهوية ؛ ببساطة ساذجة لأن كل هذا الحصاد لم يجب عن أسئلتهم المرتبطة بالحاجات الأساسية. 
الاستهلاك السياسي، له طبقات، وله مستويات ايضا، فالسياسة تحتل المجال العام للمجتمع، وتشغل الناس في مجالهم الخاص اليومي، وتكاد تسيطر على انشغالات الإعلام، وتسرق الفنون والآداب وتوظفها، فيما تغيب حاجات الناس الفعلية وأولوياتهم والتي هي صلب السياسة، وبالرغم من ان مجتمعاتنا ربما تكون هي الأكثر استهلاكا للسياسة في العالم فهي عمليا الاقل ممارسة للسياسة وإنتاجا لها.
نحتاج اليوم الخروج من الكثير من أدبيات الاصلاح السياسي والديمقراطية التي صدعت رؤوس الناس على مدى عقود دون طائل، نحتاج إعادة تعريف الاصلاح السياسي بربطه بالخيارات الاقتصادية وبالطرق الأكثر كفاءة في إدارة شؤون الناس وحاجاتهم فالديمقراطية والإصلاح الذي يمكن أن يصغي إليهما الناس يبدآن في اجتثاث الفساد بكل أوجهه وبكفاءة ادارة الموارد والخيارات. 
السياسة تحتل كل شيء في أفقر مجتمعات العالم وأكثرها قدرة على المشاركة الشكلية أو التعبير السياسي السلبي، يحدث كل هذا وسط أكثر نظم العالم بعدا عن السياسة وإدارة المصالح. وفيما لا توجد خميرة ثقافية – اجتماعية فاعلة لن يستمر الناس بأكل خبز السياسة بهذه الطريقة، وهذا ما يفسر جانبا من الغربة بين السياسة الفعلية والناس، وما يؤكد الحاجة إلى إعادة تعريف الاصلاح السياسي باعتباره العمق الحقيقي لأسئلة الخبز والسياسة معا.