أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    25-Oct-2018

المشهد الجديد للإصلاح المالي* جمال المصري

 الراي-في خطوة إصلاحية مهمة تستحق الإشادة، قامت الحكومة بإدراج موازنات 29 مؤسسة وهيئة مستقلة إلى الموازنة العامة للدولة لغايات تعزيز شمولية الموازنة العامة، وشمولية البيانات المالية الواردة فيها، بالإضافة إلى تعزيز نهج الشفافية، وزيادة الرقابة على نفقات المؤسسات وسبل صرفها، وبالتالي ضبط الإنفاق بشكل عام.

 
ورغم أهمية هذه الخطوة التي لاقت ترحيب وإستحسان كثير من المراقبين والمحللين، إلا أن قرار الحكومة بنقل كافة أصول ومباني الوزارات والمؤسسات العامة المسجلة باسمها الى ملاك خزينة الدولة لا يقل أهمية عن القرار الأول، كونه يعد خطوة مهمة تفتح أفاقا لخوض مشهد اصلاح مالي جديد يتعدى غايات هذا القرار التي أعلنت عنها الحكومة بأنها تأتي بهدف تجميع أصول وملكيات الحكومة ومؤسساتها لتسجل باسم خزينة الدولة بما يمكن الحكومة من حصر هذه المباني والأصول وإعادة تقييمها وإدارتها وإعادة توزيعها بتوازن يحقق الفائدة والشفافية ويخفض الهدر والاستخدام الأمثل وذلك بإخضاعها لأحكام قانون إدارة أملاك الدولة. حيث تكمن أهمية هذا القرار في إعتباره خطوة مهمة على طريق بناء الميزانية العمومية للقطاع العام التي تشكل الصيغة الأشمل لتجميع الثروة العامة، من خلال تجميع هذ الأصول وكذلك مساهمات الخزينة في الشركات.
 
فالميزانية العمومية تجمع كل الأصول التي تسيطر عليها الحكومة والتي قد تتألف من البنية التحتية العامة كالطرق والجسور وأنابيب الصرف الصحي، إلى جانب أموال الحكومة المودعة في البنوك واستثماراتها المالية والمدفوعات المستحقة لها من الأفراد والشركات ومنشآت الأعمال. كما أنها تجمع الالتزامات المتراكمة التي تتألف من التزامات معاشات التقاعد وديون الحكومة والمكفولة منها. وهي بهذا تقدم صورة أشمل وأوسع للمالية العامة تتجاوز بيانات الدين والعجز، وذلك لما تتيحه من فرصة للتحول إلى إدارة الميزانية العمومية للقطاع العام بدلا من إدارة الميزانية للحكومة المركزية بإطارها الممارس حاليا. حيث تتيح الميزانيات العمومية للبلدان التي تتبناها زيادة إيراداتها وتخفيض مخاطرها وتحسين صنع السياسات المتعلقة بماليتها العامة وتشكل أداة لدعم أهداف السياسة العامة؛ ذلك أن الميزانيات العمومية القوية تعزز صلابة الاقتصاد وأنها أصبحت تلقى اهتماماً متزايداً من الأسواق المالية.
 
ويتميز منهج الميزانية العمومية، الذي أوصى بتبنيه ’’ تقرير الراصد المالي’’ الصادر عن صندوق النقد الدولي خلال الاجتماعات السنوية في بداية هذا الشهر، بتقديمه لصورة أكثر دقة وتفصيلا مقارنة بما يوفره منهج تحليل ومتابعة حسابات الأيرادات والنفقات والعجز والدين. حيث يُمَّكِن هذا المنهج الحكومة النظر في أثر السياسات على جانبي الأصول وإجمالي الالتزامات، بما فيها الدين، علاوة على أنها ستشمل أنشطة ومعاملات مالية كبيرة للمؤسسات العامة تحدث خارج ميزانية الحكومة المركزية، من شأن إدخالها في تحليل المالية العامة المساعدة في تقييم مخاطر المالية العامة ضمن إطار لإدارة المخاطر بما يتيحه من احتساب آثار التقييم على جانب الأصول؛ حيث يمكن أن تؤدي تغييرات التقييم إلى آثار كبيرة على الثروة وإدارتها بفعالية أكبر ويتيح إجراء مقارنة المستويات الحالية للثروة العامة مع توقعات المالية العامة طويلة الأجل.
 
كما أن تحليل الميزانية العمومية سيثري الحوار بشأن السياسات عن طريق التركيز على الثروة العامة بكل أبعادها وكيفية استخدام الأصول العامة الكبيرة وإعداد التقارير عنها من جانب الحكومة، ليس فقط لأسباب مالية، وإنما أيضاً لتحسين تقديم الخدمات ونوعيتها ومنع إساءة استخدام الموارد الذي ينتج في الغالب عن الافتقار إلى الشفافية. كما أنه سيثري محتوى النقاش بشأن السياسات وطريقة استخدام الثروة العامة بصورة أفضل لبلوغ أهداف المجتمع الاقتصادية والاجتماعية.
 
كما أن هناك فوائد استثمارية ومكاسب كبيرة لتجميع الأصول غير المالية الحكومية من خلال زيادة فعالية الأصول وعوائدها وتشكل أساسا لتعزيز برامج الشراكة بين القطاعين العام والخاص من خلال صيغ التمويل المختلفة مثل السندات القابلة للتحويل وتمويل الاستثمارات الرأسمالية من خلال إصدارات الصكوك الإسلامية بصيغ المقارضة أو الإجارة التي تتطلب امتلاك الأصول من الجهة المصدرة، مستفيدة من السيولة الفائضة لدى البنوك الإسلامية التي تسعى لتوظيفها علاوة على تفضيل كثير من الأفراد استثمار مدخراتهم في الأدوات التي تتوافق والشريعة الإسلامية، والتي تشكل فرصة لتنويع أدوات الدين العام. وقد يكون عدم امتلاك الحكومة للأصول الكافية والقدرة على تحويلها إلى شركة ذات غرض خاص بما يحقق المتطلبات الشرعية سببا في عدم مواصلة الحكومة إصدارات الصكوك التي بدأتها في تشرين الأول عام 2016 بإصدار يتيم بلغت قيمته 34 مليون دينار لتأمين التمويل اللازم لأعمال البناء والتشطيبات للمبنى الجديد لوزارة المالية وفق صيغة الإجارة المنتهية بالتمليك.
 
إن قرار الحكومة يُعَّد خطوة مهمة على طريق تعزيز الإصلاح المالي الذي يتيح إمتلاك الحكومة لحجم كبير من الأصول غير المالية من غير البنى التحتية يقدر أن تصل قيمة إعادة تقييمها إلى ثمانية مليارات دينار. ولأجل تعزيز هذا المشهد الإصلاحي الواعد، فعلى الحكومة السعي إلى إعداد الميزانية العمومية للقطاع العام واعتمادها كمنهج لإدارة الثروة الذي تعززه التجارب والممارسات الناجحة لكثير من الدول المتقدمة والنامية، والذي من شأنه تعظيم ثمار القرارين الإصلاحيين وجني عديد الثمار الأخرى التي سيتيحها تبني الحكومة للمنهج المقترح والذي يوصي صندوق النقد الدولي بضرورة تبنيه ويشدد عليه، حيث يرى يأن الحكومات التي تدرك حجم ممتلكاتها وكيفية توجيه قدراتها نحو تحسين استخدام أصولها ستتمكن من زيادة إيراداتها بنحو 3% من الناتج المحلي الإجمالي سنويا وتخفيض المخاطر المحيطة بأصولها.