أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    15-May-2018

رسائل ضريبية من الأدبيات الاقتصادية *د.خالد واصف الوزني

 الغد-في خضم الحديث عن الحاجة إلى قانون ضريبة جديد يجب عثرات ما قبله من القوانين، آخرها عثرات القانون الحالي للعام 2014، فإن من المناسب التذكير ببعض الأدبيات الضريبية والتي تُحتِّم على المُحلل والمُفكِّر الاقتصادي أن يضعها أمام صُنَّاع القرار في الحكومة إبراء للذمة، ومساهمة في اجتهاد أثبتت التجارب العالمية نجاعته وصحته، فالفكر الاقتصادي فكر يختلف كثيرا عن فكر المحاسبة والرياضيات والعلوم:

أولا: إن العبء الضريبي ليس في ما تقدمه ضريبة الدخل إلى الاقتصاد فحسب، بل هو الوعاء الضريبي الكامل بما فيها الرسوم والضرائب غير المباشرة والرسوم السيادية الأخرى، وجميعها ضرائب بمسميات مختلفة يتم دفعها للحصول على خدمات حكومية واجتماعية متنوعة، فإن كان ما يزيد على 95 % من المواطنين معفيين بحكم القانون من دفع ضريبة الدخل، فإن 100 % من المواطنين والمقيمين والسائحين يدفعون ضرائب المبيعات وغيرها من الرسوم والضرائب غير المباشرة. 
وحال الأردن، عند النظر إلى توزيع الضرائب بين الدخل وغيرها من الضرائب، حال معظم دول العالم دون استثناء، بل إن الحكومة الأميركية أخيرا زادت من الإعفاءات الضريبة على الدخل، وقللت من نسبة الخاضعين للضريبة؛ لأنها تعلم أنَّ ذلك الإعفاء سيؤدي إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي، وأن زيادة الإنفاق الاستهلاكي يؤدي إلى زيادة تحصيل الضرائب غير المباشرة (خاصة ضريبة القيمة المضافة/ المبيعات)، وأن الفكر الاقتصادي يقول إنَّ زيادة حصيلة تلك الضرائب سيكون أكبر بكثير من حجم الإعفاءات على ضريبة الدخل، بفعل ما يسمَّى في الأدبيات الاقتصادية بمضاعف الإنفاق.
ثانيا: تشير الأدبيات الاقتصادية إلى أنه عندما يكون الاقتصاد في حالة تباطؤ اقتصادي، فإنَّ هذه الحالة أو الدورة الاقتصادية تُحتِّم عدم الاقتراب من السياسات الانكماشية التي تقوم على رفع الضرائب والرسوم، وعلى العكس من ذلك فإن المطلوب حينه هو ترتيب البيت الحكومي عبر تقليل الهدر في الإنفاق، واتباع سياسات ترشيد إنفاق تقوم على زيادة الإنفاق الرأسمالي، وتخفيض الإنفاق الجاري، وحقن الاقتصاد بمبالغ مالية استثمارية في مشاريع منتجة ومولدة للدخل. 
ثالثاً: إنَّ الحاصل الضريبي؛ أي الإيرادات الضريبية، في المعادلات الرياضية ووفقا للفكر المحاسبي، هي حاصل ضرب معدل الضريبة في الإيراد الخاضع للضريبة، وإنَّ زيادة الحاصلات الضريبية قد يكون بتعظيم الرقم الأول أو تعظيم الرقم الثاني أو الاثنين معا، ولكن الأدبيات  الاقتصادية أثبتت أنَّ زيادة معدلات الضريبة يؤدي إلى زيادة الحاصلات الضريبة شريطة أن يكون ذلك المعدل مناسباً للوضع الاقتصادي؛ أي أن تكون نسبة الضريبة عادلة، وفي حال زاد ذلك المعدل عن العدالة المنشودة أو تمَّ التغول في فرضه فإنَّ الحاصلات الضريبية تتراجع إما بفعل التهرب الضريبي، أو بفعل تراجع إيرادات المكلفين الحاليين بسبب الوضع الانكماشي الذي تفرضه زيادة الضرائب، أو بفعل تراجع الاستثمارات الجديدة  أو بالعوامل المذكورة جميعها (هناك نظرية متكاملة في هذا المجال أثبتت صحتها على مدار السنين تُسمَّى نظرية لافر Laffer Curve). 
المشكلة دوماً أنَّ رفع معدلات ونسب الضرائب أسهل بكثير من توسيع قاعدة دافعي الضرائب. واللجوء إلى الحلول السهلة يريح المعنيين عبر قناة أننا فعلنا ما نستطيع والباقي في علم الغيب.
رابعا: إنَّ توسيع القاعدة الضريبية لا يعني المزيد من الضرائب أو زيادة جمع الضرائب من نفس الشريحة التي تدفع ضرائب ومثقلة بها أصلا، ولكنها تعني إيجاد سبل تجعل من غير القادرين على دفع الضرائب أو غير مشمولين بالضريبة يتحوَّلون إلى دافعي ضرائب.
 وهذا معناه إما إدخال دافعين جدد عبر بوابة تشجيع الاستثمار وإدخال استثمارات جديدة، أو تحفيز الاستثمارات الحالية على التوسُّع، وهذا يعني بالضرورة خلق وظائف جديدة في الاقتصاد، سواءً عبر قناة الاستثمار أو عبر تشجيع الشباب على الدخول في مشاريع صغيرة ومتوسطة، أو حتى متناهية الصغر، وعندها يتحوَّل هؤلاء من عاطلين عن العمل ومتلقين للدعم إلى دافعي ضرائب، ما يعني توسيع القاعدة الضريبية وتوسيع الوعاء الضريبي.
وأخيراً وليس آخرا، التهرُّب الضريبي سمة في مجتمعات العالم أجمع وبمستويات نسبية مختلفة، وبالرغم من سوء مثل تلك الظاهرة إلا أنَّ الحكومات في الوضع الاقتصادي المُتباطئ يجب أن تنفق الجهد الأكبر في توسيع القاعدة والوعاء الضريبي عبر قناة الاستثمارات، وتشغيل الشباب، وزيادة قاعدة دافعي الضرائب، مع التجهيز لاحقا إلى قوانين أكثر صرامة في التعامل مع التهرُّب الضريبي، علماً بأنَّ القانون الأخير كان قد ركَّز على مكافحة التهرُّب الضريبي، وأن الجهة المعنية بمكافحة التهرُّب الضريبي تقوم بما تستطيع من جهد لذلك. 
العبرة والدرس الأهم من ذلك كله أنَّ الحكومة السابقة أجرت كافة التمارين والمناورات الخاصة برفع الضرائب ورفع الدعم، وركَّزت على أهداف الجباية وانتهت التجربة والتمرين الميداني بمؤشرات اقتصادية لم نشهد مثلها في التاريخ الاقتصادي للبلاد، في حين أن الحكومة الحالية بدأت بفكر جديد يتعلق بتشجيع الاستثمار، وزيادة الإنفاق الرأسمالي وضبط النفقات وتفعيل دور الفريق الاقتصادي، ولكن يبدو أنَّ هناك من يدفعها في اتجاه آخر، آمل ألا تستمع إليه، وأن تكون العبرة أنَّ الدرس والتمرين تمَّ تجربتهما، ولم يولِّدا سوى معدلات نمو أقل من متواضعة، ومستويات فقر وبطالة ومديونية غير مسبوقة وغير مقبولة.