أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    05-Jul-2015

تنمية وتشغيل لا معونات*د. محمد طالب عبيدات

الدستور-عندما تم إنشاء صندوق المعونة الوطنية لم يكن الهدف منه أن يراكم أعدادا كبيرة من المواطنين ممن يعتاشوا أو يتعكّزوا على أموال الدولة دون عمل، أو خلق حالة من التعطّل عن العمل بانتظار المساعدات المالية، لكنه استثنى من ذلك فقط ذوي الحاجات الخاصة والذين يحتاجون لتنمية اجتماعية من الذين تمنعهم ظروفهم الصحية أو البدنية أو العقلية من العمل أو الإنتاجية، والاستثناء هنا لهذه الفئة الخاصة فقط والذين لهم حق على الدولة بأن توفّر لهم سبل العيش الكريم، وإلا لكان جميع الناس يتمنون أن يحصلوا على أموال ودعم مباشر بالمجان ولكانت موازنة الدولة كلها رعائية وتوزّع عليهم بالمجان دون عمل أو إنتاجية أو تنمية للإقتصاد الوطني. ولهذا فإن كل مواطن يتقدم للحصول على دعم من صندوق المعونة الوطنية ولا تنطبق عليه الشروط الخاصة بذلك وهو صحيح الجسم ومعافى في بدنه يسعى لأخذ حق غيره وأعتبر ذلك شخصياً ابتزازاً لحقوق الآخرين من الفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة غير القادرين على العمل وخصوصاً إذا أسهم البعض في تقديم الواسطات لمثل هذه الحالات.
بالمقابل أنشىء صندوق التنمية والتشغيل برؤية ملكية سامية وخلّاقة هدفها الأساس دعم المشاريع الريادية الناجحة وفق تصورات ودراسات دعم جدوى إقتصادية لأناس يمتلكون الأفكار الريادية وليس لديهم المال الكافي لإخراجها لحيز الوجود لغايات الأخذ بأيديهم صوب تحقيق أهدافهم المنشودة، وحقق هذا الصندوق في العقد المنصرم نجاحات غير مسبوقة تُسجّل على مستوى الوطن، وساهم أيضاً في التخفيف من أعداد العاطلين عن العمل من خلال خلق فرص عمل ذاتية لأصحاب المشاريع المتقدمين للحصول على قروض وليس هبات أو منحا من الصندوق، وكان جلّ عمل الصندوق منصبّا على رأي المثل الصيني «لا تعطني سمكاً لآكل بل أعطني صنارة لأصطاد السمك».
وفي خضم وجود المنطقة برمتها على صفيح ساخن فإن هاجس البطالة ربما هو التحدي الأول الذي بحاجة لتحويله لفرص وخصوصاً بين جيل الشباب خوفاً من أن يشكّلوا بيئة خصبة للأفكار المتطرفة والهدّامة والتي تسعى الحركات الإرهابية من خلالها زعزعة الأمن في المحيط العربي والعالم برمته. ما يؤشر لضرورة تبني أفكار ريادية لتشغيل هؤلاء الشباب.   
وفعلاً أسهم صندوق التنمية والتشغيل في تغيير الثقافة المجتمعية الوطنية عند كثير من الناس صوب ثقافة العمل المنتج ومشاريع الريادة وخصوصاً المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وأسهم نسبياً في تحويل عدد من الشباب من حالة الضياع والتسكّع في الشوارع إلى إدارة مشاريع ناجحة ومُشغّلة وتدرّ على الناتج المحلي الإجمالي للوطن، وأسهم نسبياً في ولوج الشباب للإنخراط في أعمال ومهن ومشاريع خلّاقة ذات بُعد تنموي وإنتاجي وخدمي وغيرها، وهذه المشاريع تماماً هي التي قضت على البطالة في كثير من الدول المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية مثلاً، وأسهمت في إيجاد فرص عمل على الأرض لحل مشكلتي الفقر والبطالة.
الواقع مع الأسف يقول، إن مرتادي صندوق التنمية والتشغيل ممن يحملون مشاريعهم التنموية والمنتجة بيمينهم هم أقل عدداً بكثير ممن يطرقون باب صندوق المعونة الوطنية ممن يسألون الدولة عن مساعدات أو يقفون في الشوارع وعلى الإشارات الضوئية لطلب المساعدات، وهذا الأمر برأيي جلّ خطير ويحمل بين ثناياه مفهوم الدولة «الرعائية» التي تمتلك الموارد الطبيعية والدولة الغنية، وكأني أقول بأن الناس لا تسعى للعمل ولا تمتلك روحية العطاء أو الإنتاجية بل تسعى للحصول على مساعدات دون مقابل في ظل موازنة دولة تعاني من ثقل المسؤولية والعجز المالي المتنامي والمتراكم.
أجزم بأن هنالك أفكارا خلّاقة لغايات إحلال أو تحويل ممن يطرقون باب صندوق المعونة الوطنية من غير المستحقين للدعم إلى صندوق التنمية والتشغيل للأخذ بأيديهم وتقديم مقترحات لمشاريع منتجة لنضرب وقتها عصفورين بحجر واحد، أي يحصلون على وظيفة تشغيلية ونُخلّص موازنة الدولة من أعباءهم المالية وثقافة طرق أبواب المساعدات غير المُحِقّة، وكما علمت أنه كان هنالك محاولات جادة في السنوات الأخيرة لهذه الغاية لكنها لم تلق النور بعد.
بصراحة على الحكومة دعم مشاريع مؤسساتها الناجحة والوقوف لجانبها وتعظيم دورها، ومنها صندوق التنمية والتشغيل لأنه يسهم بحق بجهد وطني تشغيلي نوعي، ورسالته وطنية صرفة وتسهم بروحية العطاء والتغيير لثقافة الإنتاجية لدى كل المواطنين الراغبين بالإستفادة والإفادة، ولهذا فالحكومة مدعوة لزيادة موازنة هذا الصندوق وفتح نوافذ ريادية جديدة خلّاقة له لتسهم في تشغيل طوابير العاطلين عن العمل وخصوصاً لدى جيل الشباب من خلال المشاريع الصغيرة والمتوسطة الناجحة وفي القطاعات التنموية المختلفة، لنساهم في تغيير ثقافتنا المجتمعية صوب مترادفات الإنتاجية والعطاء وزيادة الدخل وحل مشكلتي الفقر والبطالة والتميز والريادة بدلاً من ثقافة المساعدات المجانية أو المعونات أو الارتكاز على الآخرين لغايات العيش الكريم.
أتطلّع إلى اليوم الذي يكون لدينا فيه تنمية وتشغيل لا معونة، وأتطلّع لأن تقوم الحكومة بتقديم أفكار ريادية لغايات إحلال ممن يعتاشون على صندوق المعونة الوطنية من غير المستحقين، إحلالهم في مشاريع ريادية وإنتاجية مدعومة ولو بضمانات من صندوق المعونة الوطنية في البداية، ليكونوا منتجين لا عالة على الدولة والوطن، كما أتطلّع لأن تُغيّر هذه الفئة من الناس ثقافتها وسلوكياتها لتنخرط في مجموعة المواطنين المنتجين في العجلة التنموية لهذا الوطن الأشم والأغلى.