أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    14-Feb-2019

الأردن: وهم الريادة والابتكار

 الغد-ليث العجلوني

بسبب الأزمة الاقتصادية التي يعيشها الأردن وارتفاع معدلات البطالة الناتج عن عدم قدرة السوق على خلق المزيد من فرص العمل نظراً انخفاض معدلات النمو الاقتصادي. اتجهت الحكومة والجهات المعنية ومؤسسات المجتمع المدني مؤخراً لتشجيع “ريادة الأعمال” وتشجيع الشباب على أن يكونوا هم المشغلين لأنفسهم وبأن يخلقوا فرص عملهم بأيديهم من خلال تأسيس الأعمال الخاصة بهم، وتأسيس شركات “ريادية” في مختلف القطاعات.
وبلا شك فإن الجهات المعنية تقوم بذلك بشكل جدي وتبذل جهود قصوى لبناء ثقافة الريادة بين الشباب ولأن يكون الأردن محطة للابتكار وتصدير الخدمات التكنولوجية للمنطقة والعالم.
وفي الحقيقة، فإن هذه النظرة إيجابية وجادة، ولكنها تبدو سطحية وساذجة إلى حد كبير؛ حيث إن الجهود القائمة تتطلب بالضرورة القيام بإصلاحات جذرية وهيكلية في العديد من النواحي الاقتصادية والاجتماعية في الأردن، وذلك لخلق البيئة المناسبة للريادة والابتكار. وإذا لم يتم ذلك، فإن دعوات الريادة والابتكار لن تكون سوى شعارات بلا أي نتائج على أرض الواقع. 
إن بث الروح الريادية في المجتمع وتشجيع الابتكار لا يتوقفان على بعض التشريعات والإعفاءات الضريبية وتوفير التمويل وحسب. ولكنه أيضاً يعتمد بشكل أكبر على جاهزية المجتمع والأجيال الناشئة لأن يكونوا مبتكرين ومخترعين ورواد أعمال.
وهذه الجاهزية تعتمد على توفر شروط عدة، أهمها العدالة الاجتماعية، ومرونة “الحراك الاجتماعي” (Social Mobility)؛ أي قدرة وإمكانية الأفراد على الانتقال من الطبقات الاجتماعية الأدنى إلى الطبقات الأعلى.
وفي هذا المجال، فقد قام أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفرد “راج شيتي” بدراسة العلاقة بين مستوى دخل الأسرة والقدرة على “الابتكار” لدى الأبناء، وذلك من خلال تحليل بيانات 1.2 مليون مخترع في الولايات المتحدة. حيث أخذت الدراسة بعين الاعتبار عوامل مثل دخل الأسرة والمستوى التعليمي والتحصيل العلمي على مقاعد الدراسة والجنس والعديد من الأمور الأخرى.
وأظهرت نتائج الدراسة أن 8.3 أطفال من كل ألف طفل ينتمون للأسر التي تقع ضمن في حدود الطبقة الــ1 % الأكثر دخلاً يصبحون مخترعين. وأما بالنسبة للأسر التي تحقق دخلاً أقل من “المتوسط” فإن هذه الاحتمالية تنخفض إلى 0.83 طفل من كل ألف طفل. أي أن الطفل الذي يولد ضمن الطبقة الـ1 % الأغنى لديه فرصة لأن يصبح مبتكراً أكثر بعشرة أضعاف من الطفل الذي يولد لأسرة تحقق دخلاً دون المتوسط.
في الأردن، وعلى الرغم من انخفاض دخل الأردنيين بشكل عام، إلا أن 66.7 % من الأردنيين يحققون دخلاً أقل من متوسط دخل المجتمع، وهذا يعني انخفاض احتمالية الابتكار لدى أغلب الأردنيين. هذا طبعاً إذا أخذنا بعين الاعتبار توفر عوامل النجاح الموجودة في الولايات المتحدة في الأردن، ولا مجال للمقارنة في ذلك. إذاً، فذلك يعني انخفاض فرص الابتكار لدى الشريحة الكبرى من الأردنيين. إذا نظرنا إلى عدالة الدخل فقط.
أما العامل الآخر الذي لا يقل أهمية عن عدالة الدخل، فهو “الحراك الاجتماعي”؛ حيث إن أحد أهم أسباب هجرة العقول هو عدم قدرة المبتكرين وأصحاب العقول ضمن الفئات الاجتماعية الأقل حظاً والأكثر فقراً على الصعود والازدهار في السلم الاجتماعي. وهذا يعني أن الرياديين الأردنيين من الطبقتين المتوسطة والفقيرة قد يلجؤون للهجرة نظراً لعدم قدرتهم على التقدم في السلم الاجتماعي في الأردن، وهذا بالضرورة يعني عدم تحقق النتائج الاقتصادية التي ترجوها الحكومة من تشجيع الريادة والابتكار.
لذلك، فإنه ولإنجاح الجهود الرامية لتعزيز روح الريادة والابتكار ضمن المجتمع الأردني بهدف تعزيز الاقتصاد الوطني، وحتى لا نبيع الشباب أوهام الريادة والابتكار أو أن تكون مجرد شعارات يرددها المسؤولون وقيادات المجتمع المدني في فنادق عمّان وقاعاتها الفاخرة، يجب ألا تكون مسألة الريادة والابتكار نخبوية تناقش في محافل ومؤتمرات فنادق النجوم الخمس في العاصمة عمّان بعيداً عن معرفة وتقييم واقع البلاد وواقع المحافظات والمناطق الواقعة خارج حدود العاصمة والحالة الاقتصادية والتعليمية والثقافية فيها.
إذا أراد الأردن تعزيز ريادة الأعمال عليه أولاً البدء في السير بإصلاحات جذرية للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية الهيكلية. وذلك، من خلال العمل على تقليل الفجوة في الدخل والاهتمام بجودة التعليم التي يحصل عليها أبناء المحافظات خارج العاصمة عمّان وضمان حصول أبناء الطبقتين المتوسطة والفقيرة على فرص تعليمية تضاهي تلك التي يحصل عليها الأغنياء.
إن من يراهنون على حل مشكلة الأردن الاقتصادية من خلال تشجيع ريادة الأعمال والابتكار فقط من دون معالجة المشاكل الأساسية والمعيشية واهمون وجاهلون بالواقع الأردني. فكيف لشاب أردني ولد لأسرة بسيطة في لواء ذيبان أو البصيرة أو الحسينية وذهب إلى مدارسها التي تفتقر للتدفئة في الشتاء وكافح ليدخل الجامعة وازدادت أسرته فقراً بسبب أقساط الجامعة أن يبدع أو أن يكون مبتكراً؟!
وبعد هذا العناء فقد لا يجد عملاً، وإذا وجد عملاً سيحصل على أجر شهري بالكاد يغطي نفقات مواصلاته ذهاباً وإياباً من وإلى مكان عمله، ومن ثم يدخل هذا الشاب في دوامة من التفكير في كسب الرزق والحصول على متطلبات حياته الأساسية ومحاولة رد الجميل لوالديه الذين لم يعد لديهم سوى شهادة هذا الشاب المرمية في أحد أدراج المنزل.
يُنظر علينا بعض المسؤولين في الأردن بأنه من رحم المعاناة تولد المعجزات وتخلق الفرص وأن على الشباب الأردني أن يجتهد وأن يتحلى بالصبر، ولكن الأردنيين لم يروا أي فرصة إلا وهي في يد أبناء الذوات وأصحاب المعالي والثروات.
من الصعب على الأردني العادي البسيط أن يكون مبدعاً حتى ولو كان أكثر الناس عبقريةً؛ لأنه ببساطة لا يرى جدوى لذلك، فالعمل بلا أجر عادل، والجهد بلا شكر أو تقدير، وعدم توفر البيئة المحفزة على الابتكار والصعود في سلم الحياة مادياً ومعنوياً، كلها لا تزيد الشباب الأردني إلا يأساً وإحباطاً.
علينا جميعاً العمل على تشخيص المشكلات وحلها بشكل جذري بدلاً من تجميلها أو إنكارها، وأن نتجنب التنظير على الفقراء في الإنتاجية والريادة والابتكار وبالهم مشغول في لقمة العيش وأساسيات الحياة.