ما زلت مصرا على اعتبار التعاطي الحكومي مع أزمة الكورونا «تفكير خارج الصندوق»، وأنه خطوة مهمة نتمنى أن يتم البناء عليها لتصبح نهجاً وطنياً أردنياً يتخطى الإعجاب به حدود الوطن، كتجربة أردنية تفيد الآخرين في التغلب على إشكالاتهم، وتكرس الأردن كدولة قادرة على تخطي الصعاب مهما بلغت حدتها، وأن كافة عناصر «الدولة» تلتقي على المصلحة الوطنية العليا حتى وإن اختلفت على بعض التفاصيل. وتعتبر أن الخلاف في الرأي حول بعض القضايا إنما هو تعدد في الاجتهادات ورغبة في ملامسة الكمال.

 

هذه المقدمة ليست ردا على عمليات التقييم المتشائمة لنتائج اليوم الأول من عمليات توزيع الخبز، والتي تصنف كتجربة جديدة من التجارب التي تطبقها الدولة من أجل اجتياز «المحنة» التي نمر بها بأقل الخسائر. وبما يمكن أن يكون أداء متميزا عن غيرنا من الدول ومنها ذات الإمكانات الهائلة جداً.

 

ففي اليوم الأول من تجربة توزيع مادة الخبز ومياه الشرب والأدوية، سارت الأمور فيما يخص الماء والدواء على خير ما يرام، ونجحت الترتيبات التي اتخذت بحكم أن العملية كانت منوطة بالقطاع الخاص وبناء على طلبات مسبقة.

 

وفيما يخص الخبز، كانت هناك محاولات جادة لأن تكون العملية منظمة، وسلسة، وفي الوقت نفسه كانت هناك قناعة بأن التجربة ما تزال في بداياتها، وأنه لا بد من أن تواجهها بعض الصعوبات.

 

وكما يقول البعض ممن يتمسكون بإنصاف التجربة فإن» إقامة حفل خطوبة بحضور مئتي شخص لا يمكن أن يمر بدون إشكالات.. فكيف بتزويد أكثر من عشرة ملايين شخص باحتياجاتهم من الخبز في يوم واحد».

 

فالثغرات متوقعة، وأطرافها متعددة، بدءاً من هفوات الجهات المعنية التي أخطأت في بعض الحسابات المتعلقة بتقدير عدد الاليات المطلوبة لتحميل الخبز وإرساله إلى كافة المدن والقرى والأحياء. وعدد الساعات المخصصة لذلك. حيث انتهى الوقت المخصص دون تزويد أحياء كاملة.

 

وفي شق مواز، لم يلتزم الكثير من المواطنين بالتعليمات التي نصت على إيصال كميات الخبز إلى باب البيت. وتجمهر البعض منهم، وتهافت الناس على بعض السيارات في صور «مخجلة» لا تتناسب مع متطلبات السلامة العامة، ولا مع النظرة الخارجية للمشهد الأردني الناصع.

 

غير أن الصورة لن تقتصر على هذا البعد، فقد تلقيت الكثير من الصور المشرفة، حيث اصطف العشرات ضمن صفوف منتظمة وحافظوا على مسافات أمان بينهم، وحصلوا على حاجتهم من الخبز بيسر وسهولة، وضمن وقت مناسب.

 

التجربة كانت فريدة، ومثيرة، ومهمة، وبالتأكيد لا يمكن القول أنها فشلت، مع أننا توقعنا أن تكون أفضل مما كانت عليه. والأمل معقود على اليوم التالي» اليوم» بحيث تكون الثغرات قد رصدت، وتم تغطيتها بإجراءات سلسة، وبترتيبات حازمة تضع حدا للفوضى، وتأتي بنتائج إيجابية تحد من الفيروس بدلا من تهيئة الوسائل المناسبة لانتشاره.

 

وأن يعيد الفريق الوزاري النظر في تصوراته وحساباته، التي تكشف أن الكثير منها لا يتطابق مع الواقع.

 

أما الحل الأمثل فيتمثل بتسليم عملية التوزيع للجيش والأجهزة الأمنية، التي تحظى باحترام الشارع، والتي تمتلك الإمكانات اللوجستية، والقدرة على إدارتها وعلى تنظيم كافة الأمور على أكمل وجه.