أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    26-Mar-2017

تقرير: الدول العربية تستطيع تحقيق طفرة هائلة شرط تمكين الشباب

...قدرات الشباب العربي تصطدم بواقع مبني على التهميش
 
الغد-سماح بيبرس:خلص تقرير التنمية الإنسـانية العربية للعام 2016 إلى أنه في وسع البلدان العربية تحقيق طفرة تنموية هائلة وضمان استقرار مستدام؛ إذا وضعت على رأس أولوياتها العاجلة تمكين شبابها والاعتماد عليهم لدفع عجلة العملية التنموية.
بناء على هذه المقاربة؛ يدعو التقرير البلدان العربية إلى تبني نموذج تنموي جديد يرتكز على تعزيز قدرات الشباب وتحرير طاقاتهم، وتوسيع الفرص المتاحة لهم، بما يفسح المجال أمامهم لممارسة حرية أكبر في تشكيل مستقبلهم، ومن ثم للمساهمة الفاعلة في تنمية مجتمعاتهم وبلدانهم.
وتشير احدث الاحصائيات إلى أن أكثر من ثلثي سكان المنطقة العربية اليوم تقل أعمارهم عن 30 عاما، نصفهم في الشريحة العمرية 15 - 29 سنة، وهؤلاء هم الذين يعتبرهم التقرير شبابا، ويقدر عددهم بأكثر من مائة مليون.
هذه الكتلة السكانية غير المسبوقة في تاريخ المنطقة من شباب في أهم سنوات القدرة على العمل والعطاء تكون طاقة هائلة، قادرة على دفع عجلة التقدم الاقتصادي والاجتماعي إذا اتيحت لها الفرصة.
ويبين التقرير أن هذه النافذة الديمغرافية تمثل فرصة حقيقية على مدى العقدين القادمين، يتعين على المنطقة اغتنامها بشكل عاجل.
وينبه التقرير إلى أن جيل شباب اليوم أكثر تعليما ونشاطا وارتباطا بالعالم الخارجي، ما ينعكس على مستوى وعيهم بواقعهم وتطلعاتهم إلى مستقبل أفضل؛ إلا أن وعي الشباب بقدراتهم وحقوقهم يصطدم بواقع يهمشهم ويسد في اوجههم قنوات التعبير عن الرأي، والمشاركة الفاعلة، وكسب العيش، ما قد يتسبب في دفعهم إلى التحول من طاقة هائلة للبناء إلى قوة كاسحة للهدم.
وقد اثبتت احداث 2011 وما تلاها قدرة الشباب على المبادرة بالفعل وعلى تحفيز التغيير، واظهرت وعيهم بما تطرحه الأوضاع العامة القائمة من تحديات خطيرة للتنمية وقدرتهم على التعبير عن عدم رضا المجتمع ككل عنها وعن مطالبه بتغييرها، كما كشفت عن عمق التهميش الذي يعاني منه الشباب، وعن عدم امتلاكهم ادوات العمل السياسي المنظم التي يمكنها ضمان سلمية التغيير واستدامته.
وأثبتت هذه الاحداث أن حصر الاستجابة لمطالب التغيير بالتعامل الأمني دون التصدي لمعالجة اسبابها يحقق استقرارا مؤقتا يؤجل دورات الاحتجاج لكنه لا يقلل من فرص تكرارها، لا بل قد يؤدي إلى تراكمها، لتعود إلى الظهور بأشكال أكثر عنفا.
تعزيز القدرات وتوسيع الفرص؛ هذه الثنائية تمكن الشباب عمليا، إذ يستوجب تمكين الشباب ادخال تغييرات جذرية في البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تتسبب في إقصائهم.
وينبغي لتلك التغييرات أن توسع فرص مشاركة الشباب وانخراطهم في المجال السياسي الرسمي، وأن تنشط اقتصادا كليا قادرا على انتاج فرص العمل اللائق للشباب وتعزيز قدراتهم على ريادة الأعمال، وأن يرسخ في المنظومة الاجتماعية أسس العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، ويتصدى لكل الممارسات التمييزية على اساس الهوية أو العقيدة أو النوع الاجتماعي.
وفي المنطقة العربية التي تشهد تصاعدا غير مسبوق لصراعات تقوض مكتسبات التنمية، لا بل تعكس مسارها في بعض الاحيان، يجب أن تتجذر جهود التمكين في سعي جاد وحثيث لاحلال الأمن والسلم والاستقرار المجتمعي، وضمان شمول هذا السعي الشباب كفاعلين أساسيين.
ودعا التقرير إلى تبني نموذج تنموي جديد يرتكز على تعزيز قدرات الشباب وتحرير طاقاتهم، وزيادة الفرص المتاحة أمامهم.
ويؤكد التقرير أهمية الاستثمار في الشباب، وتمكينهم من الانخراط في عمليات التنمية ؛ كأولوية حاسمة وملحة ، وشرط أساسي لتحقيق تقدم ملموس ومستدام في التنمية والاستقرار للمنطقة بأسرها.
ويقدم التقرير حجتين رئيسيتين للاستثمار في الشباب في المنطقة ؛ الأولى؛ أن ما يقارب ثلث سكان المنطقة هم من الشباب في أعمار 15 - 29 سنة وهناك ثلث آخر يقل عمرهم عن 15 عاماً، وهو ما يضمن استمرار هذا الزخم السكاني إلى العقدين القادمين على أقل تقدير، ويوفر فرصة تاريخية يحتم على البلدان العربية اغتنامها.
أما الحجة الثانية؛ فتمحورت حول أن موجة الاحتجاجات التي اجتاحت عددا من البلدان العربية منذ العام 2011، وكان الشباب في طليعتها، قد افضت إلى تحولات كبيرة عبر المنطقة كلها؛ فشهدت بعض البلدان وضع دساتير وطنية جديدة، واجراء انتخابات حرة ونزيهة، وتوسيع نطاق المشاركة العامة لمجموعات كانت مستبعدة في السابق.
لكن في بلدان أخرى، واجهت التوازنات الحاكمة التي طالما حافظت على الاستقرار تحديات خطرة اسفرت عن نزاعات طال أمد العديد منها.
ويشدد هذا التقرير على ان تمكين الشباب واشراكهم في هذا المنعطف المهم من تاريخ المنطقة أمران حيويان لوضع اسس جديدة وأكثر استدامة للاستقرار.
ويستكشف التقرير التحديات العديدة التي ما يزال الشباب في المنطقة العربية يواجهونها، حيث ما يزال كثيرون منهم يتلقون تعليما لا يعكس احتياجات سوق العمل، فيما أعداد كبيرة منهم، ولا سيما من الشابات، عاطلة عن العمل ومستبعدة من الاقتصاد الرسمي، ومن دون مورد رزق، يجد الشباب صعوبة كبيرة في تحقيق تطلعاتهم المشروعة في الزواج والحصول على سكن ملائم لتأسيس بيوتهم وأسرهم المستقلة.
والخطر هنا أن هؤلاء الشباب يقعون فرائس للاحباط، والشعور بالعجز، والاغتراب، والتبعية، بدلا من أن ينفقوا شبابهم في استكشاف الفرص المتاحة واستشراف آفاق المستقبل.
ومن البديهي أن الشباب في أنحاء المنطقة العربية تأثروا على نحو خطير بالأزمات حديثة العهد التي ألمت بالمنطقة، إذ جُرف العديد منهم إلى الخطوط الأمامية لصراعات متعددة ؛ فمات الكثيرون، وفقدت اعداد أكبر منهم مقربون اعزاء من أفراد أسرهم واصدقائهم، فضلا عن موارد رزقهم، ومعها فرصهم وآمالهم في المستقبل. وفي مواجهة تحديات كهذه، انضم بعضهم إلى جماعات متطرفة.
استجابة إلى هذه التحديات، يدعو التقرير إلى تمكين الشباب من منظور التنمية الإنسانية الذي يحدد هدف التنمية بأنه توسيع للخيارات والحريات المتاحة للناس كي يعيشوا حياتهم كما يبتغونها ويثمنونها.
ويقتضي تمكين الشباب تعزيز قدراتهم، وهم ما يستوجب تحسين منظومات الخدمات الأساسية، وخصوصا في مجالي التعليم والصحة.
كما يتعين توسيع نطاق الفرص المتاحة للشباب - من خلال اقتصادات تولد عملا لائقا وتشجع ريادة الأعمال، وبيئات سياسية تشجع حرية التعبير والمشاركة الفاعلة، ونظم اجتماعية تعزز المساواة وتعمل ضد كل انواع التمييز.
ويشدد التقرير على أن الشباب في المنطقة لا يمثلون مشكلة لعملية التنمية أو عبئا عليها، وانما هم مورد اساسي لحل مشاكل التنمية في هذه المنطقة.
ثلاثة مستويات للإصلاح
يستدعي تمكين الشباب إصلاحات على ثلاثة مستويات من العمل، يرتبط أولها بالسياسات الناظمة للعقد الاجتماعي بين الدول ومواطنيها وهيكلة الاقتصاد الكلي لضمان الشمول الكامل وتوسيع الفرص المتاحة للجميع، فمن فيهم الشباب، بعدالة ودون تمييز.
ويركز المستوى الثاني على السياسات القطاعات، ولا سيما في مجالات التعليم والصحة والتوظيف، لضمان توفر وجودة الخدمات التي من شأنها تعزيز قدرات الشباب، ومن ثم لترسيخ نطاق حريتهم في الاختيار.
اخيرا، يتناول المستوى الثالث السياسات الوطنية المعنية مباشرة بالشباب، وينبغي لهذه السياسات تجاوز نهج ايجاد الحلول لـ"مشاكل الشباب" الذي عادة ما يكون جزئيا وقصير المدى، واحيانا ضرورية وغير مجد، لتتعامل بفاعلية مع المستويين الأولين لتضمن مشاركة شبابية أوسع في وضع السياسات العامة، ومراقبة تخصيص الموازنات، وتعزيز التنسيق بين الجهات المعنية كافة، ومتابعة التنفيذ والتقدم نحو ايجاد الأولويات.
وقال التقرير إن "البلدان العربية شهدت تطورات ديمغرافية حيث شهدت معدلات نمو سكاني مرتفعة خلال السنوات الخمسين الماضية".
ويشترك شباب المنطقة في معاناتهم من واقع التنمية الإنسانية، وان بدرجات مختلفة؛ فهم يشعرون بقلق عميق حيال مستقبلهم، ويسيطر عليهم احساس دفين بالتمييز والاقصاء، ولا يحصل جزء كبير منهم تعليما جيدا أو عملا مقبولا أو رعاية صحية مناسبة، ولا يمتلكون تمثيلا كافيا في الحياة العامة ولا كلمة مسموعة في تكوين السياسات التي تؤثر في حياتهم، وتزداد هذه المعاناة تفاقماً بالنسبة إلى الشابات تحديداً، بسبب انعدام المساواة واستمرار الفجوة في تمكين المرأة في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بالرغم من بعض الإنجازات التي تحققت في عدد من البلدان.
أدى الكثير من خيارات الحكومات خلال العقود الماضية إلى تهميش قطاع عريض من الشباب، وراكمت لديه قلة الاهتمام الرسمي بمتطلباته شعورا بالظلم، واثارت موجات من السخط العميق في اوساط هذا القطاع النشط من السكان، تاريخيا، وخلال حقبة النمو السكاني المطرد، ظهر للشباب حضور قوي في الحياة العامة، عاد ليظهر في شكل جديد خلال السنوات الخمس الماضية، حيث تنشط أعداد متزايدة منهم في تحدي الحكومات التي حمّلوها مسؤولية الاخفاق في تحقيق التنمية المنشودة.
ويتضح ذلك جليا في موجة الاحتجاجات التي قاد طليعتها الشباب في العام 2011، التي سلطت الضوء على الحاجة الملحة إلى تغيير المنهج القائم في إدارة الشأن العام وموارد المجتمع.
ليس هناك مجال للشك في أن الشباب يمكن أن يكونوا عناصر فعالة في إحداث التغيير الايجابي المطلوب في المنطقة، شريطة الاعتراف بما لديهم من قدرات، والعمل على تطويرها، والسعي إلى استثمارها.
لذا، يدعو هذا التقرير إلى وضعهم في صلب عملية التنمية الإنسانية، بما يعنيه ذلك من اتاحة فرص حقيقية أمامهم لتكوين مستقبله وتحرير طاقاتهم.
بموازاة ذلك، ينبه التقرير إلى أن سياسات وممارسات الاقصاء في مختلف المجالات، وعدم كفاية الحماية الموفرة للحريات العامة وحقوق الإنسان، وضعف التنافسية الاقتصادية، والتقصير في ارساء دعائم الحكم الرشيد، ولا سيما في جوانبه المتعلقة بالشفافية والمساءلة، تهدد مستقبل الشباب وآفاقهم بشكل متزايد، وتستقطب هذه العوامل بعض الشباب إلى مواقع معرقلة للتنمية، بما في ذلك ايديولوجيات التطرف العنيف، خصوصا في ظل ما تشهده بلدان عدة من تعاظم في وتيرة النزاعات، وهشاشة مؤسسات الدولة، واختلال العلاقة بين السلطة السياسية والقوى المجتمعية.
ان الاستمرار في تجاهل اصوات الشباب وامكاناتهم، والاكتفاء بمبادرات صورية أو مجتزأة لا تغير واقعهم، يذكي اغترابهم عن مجتمعاتهم أكثر من أي وقت مضى، ويدفعهم إلى التحول من قوة بناءة في خدمة التنمية إلى قوة هدامة تسهم في إطالة حالة عدم الاستقرار، وتهدد أمن الإنسان بمختلف أبعاده.
من هذا المنطلق؛ لا يدعو التقرير إلى تطوير السياسات والاستراتيجيات الشبابية وحسب ، بل ايضاً إلى إعادة صياغة السياسات العامة في البلدان العربية، على المستويين الكلي والقطاعي، حول نموذج جديد للتنمية، جدير بالشباب في ظل الواقع المتغير الذي تعيشه المنطقة اليوم على الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
ويسعى التقرير في هذا الاطار إلى تحفيز مختلف الاطراف المعنيين على الانخراط في نقاش واسع بشأن القضايا المحددة التي يطرحها، وإلى تشجيع الشباب انفسهم على المشاركة في هذا النقاش لتحديد طبيعة المجتمعات التي يبتغون العيش فيها كبالغين.
أحداث العام 2011 وما بعدها من منظور التنمية الإنسانية
مثلت الاحتجاجات العارمة التي اجتاحت المنطقة العربية في العام 2011 نقطة تحول فارقة لم يعد ممكنا بعدها ايقاف قوة الدفع للتغيير من اجل الإصلاح لكنها تواكبت في الوقت ذاته مع حالات حادة من النزاع وعدم الاستقرار ترتبط في جزء كبير منها بمشاكل قديمة موروثة.
يرى هذا التقرير أن احداث العام 2011 وعواقبها هي نتيجة تراكم عقود طويلة من السياسات العامة التي أدت تدريجيا إلى اقصاء قطاعات واسعة من الناس عن المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
وحرم ذلك المزيد من السكان رعاية صحية مناسبة وتعليما جيدا، وأدى إلى تفاقم مشكلة بطء نمو الدخل التي لطالما عانتها المنطقة، الأمر الذي عمّق الفجوة القائمة بين فئات المجتمع.
على مدى عقود مضت، اتبعت الحكومات في المنطقة نموذجا للتنمية هيمن عليه القطاع العام، بحيث اصبح الملاذ الأول والاخير للاعالة، ما خلق تناقضات عديدة، من ناحية أولى، وسع هذا النموذج امكانية حصول الناس على استحقاقات رئيسية - سواء اكان ذلك من خلال التوظيف في مؤسساتها أو من خلال الاعانات في الموارد الغذائية التي توفرها - الأمر الذي خفض نسبة الفقر وعدم المساواة في الدخل، ووفر حماية اقتصادية لفئات كانت محرومة.
لكن هذه النتائج الايجابية ظاهريا فرضت، من ناحية ثانية، مقايضة أعمق على المدى الطويل.
فالمكاسب المتحققة من منظور التنمية البشرية نادرا ما ترجمت إلى زيادة في الانتاجية والنمو، لأن النموذج التنموي المعتمد حصر رأس المال البشري في وظائف حكومية غير منتجة، وبنى هرما من الامتيازات التي منحت الأفضلية الاقتصادية لشركات وافراد على علاقة وثيقة بصانعي القرار، وعزز تحالفات هيكلية قوية بين النخب السياسية والاقتصادية لتأمين مصالحها أولا.
في المحصلة، خلف هذا النموذج التنموي ارثا سلبيا للاستحقاق الذي يدعم الأفراد من المهد إلى اللحد، واخطر من ذلك انه عزز التهميش السياسي والفوارق الاقتصادية - الاجتماعية، وقوّض روح المبادرة الفردية، وشجع الاستهلاك على حساب الانتاجية والاستثمارات الطويلة الأجل في القدرات البشرية، واوجد اشكالية الفساد التي ابطأت عجلة التنمية بمختلف اشكالها، ثم اتت احداث العام 2011 لتكشف خطورة هذا النموذج، وتبين أن التكاليف المتصاعدة لانعدام عدالة توزيع الدخل، واحكام السيطرة الأمنية التي يتطلبها، قد تعرض انظمة الحكم التي تنتهجه إلى الانهيار الكامل.
ديناميات عدم تمكين الشباب في المنطقة العربية
بالرغم من صعود جيل جديد من الشباب في العقود القليلة الماضية - هو الأكبر حجما، والافضل تعليما، والأكبر تمدنا في تاريخ المنطقة العربية، تظل آفاق هؤلاء الشباب معرضة للتهديد أكثر من أي وقت مضى، من جراء الاقصاء والفقر والركود الاقتصادي وانتشار الفساد؛ وتزداد هذه العوامل تفاقما في البلدان العربية التي تعاني نزاعات.
يصل الشباب اليوم إلى مرحلة البلوغ في سياق تنموي يشهد ارتفاعا في تفاوت الدخل، واتساعا في عدم تكافؤ الفرص، وتباطؤا في معدلات النمو، وتقلصا في القدرة على خلق فرص للعمل.
كل هذا يضعف التزامهم بالحفاظ على مؤسسات الحكم القائمة ورغبة المشاركة في الحياة العامة، ما يؤدي إلى تشوه وضع لا يتناسب مع احتياجاتهم ولا يرقى الى تطلعاتهم.
لا يمكن تحقيق التغيير المنشود دون تمكين الشباب انفسهم، أي توسيع قدرتهم على اتخاذ خيارات حياتية استراتيجية في مجالات لم تكن تتوفر فيها هذه القدرة سابقا.؛ فذلك سيعزز شعورهم بالفعالية، ويحفزهم على المساهمة في عمليات الإصلاح، ويرفع مستوى ادماجهم في المجتمع.
ويجدد التقرير عدة عوامل متأصلة في المنطقة العربية تعيق تمكين الشباب، وتنزع إلى اضعافهم، وتمنع تحرير طاقاتهم الكامنة على نحو كامل. ويُحمل أهم تلك العوامل تحت ستة عناوين رئيسية ؛ ندرة فرص العمل اللائق وضعف المشاركة السياسية، وانخفاض جودة الخدمات العامة في مجالي التعليم والصحة، وسوء إدارة تنوع الهويات في المجتمع، وانتشار مفاهيم وممارسات موروثة لا تساوي بين الجنسين،  واستطالة صراعات تسرق مكتسبات التنمية.
وأشار التقرير إلى أنه واضافة إلى ضعف الانتاجية والتنافسية الاقتصادية في معظم بلدان المنطقة العربية، تعيق السياسات والقوانين، المنظمة لسوق العمل نمو الوظائف في شكل متناسب مع النمو الديمغرافي، ما يؤثر خصوصا في الشباب، ويحول دون تمكينهم اقتصاديا.
ويزداد الوضع سوءا مع انتشار الواسطة التي تلعب دورا كبيرا في توزيع الوظائف المحدودة المتاحة، والتي تدفع الشباب الباحثين عن وظيفة إلى الاعتماد على العلاقات الاجتماعية والروابط الأسرية، وهو ما يعطي شباب العائلات المتنفذة افضلية على اقرانهم، بما يعنيه ذلك على وجه العموم من انتهاك لمبادئ العدالة الاجتماعي وتضحية بمعيار الجدارة اللازم لتحقيق الانتاجية الاقتصادية.
ينتظر كثير من الشباب في البلدان العربية من ذوي التأهيل التعليمي العالي فترات طويلة تزيد على سنة ونصف السنة، أملاً في ايجاد وظيفة في القطاع العام.
وغالبا ما ينتهون إلى القبول بعمل غير مستقر في القطاع غير الرسمي، وبأجور منخفضة وشروط عمل سيئة، تدفعهم الى ذلك انظمة الحد الأدنى من الأجور والحماية الاجتماعية التي تولد فجوات واسعة في الأجور والفوائد بين وظائف القطاعين العام والخاص.
ولا يبدو أن هناك تحسناً في الافق من ناحية قدرة الحكومات على توفير فرص عمل كافية ولائقة، خصوصا في ظل هبوط أسعار النفط والآثار السلبية لذلك في النمو الاقتصادي على امتداد المنطقة، وليس في البلدان المنتجة للنفط فحسب.
ويُرجع هذا التقرير ضع مشاركة الشباب إلى طبيعة الحياة السياسية في البلدان العربية التي توجد فيها قوانين وممارسات ذات طابع اقصائي عموماً، لكنه يكشف في الوقت ذاته تطورا ايجابيا مهما في هذا المجال؛ إذ يشير إلى أن اهتمام الشباب بالمشاركة السياسية يتزايد، ففي البلدان التي تشهد انتقالا سياسيا، يتفوق الشباب في اهتمامهم بالسياسة على من يكبرهم سناً - لكن نادرا ما يترجم هذا الاهتمام إلى مشاركة رسمية، إلا بين الشباب الافضل تعليما - وحتى هؤلاء، غالبا ما يقتصر نشاطهم على المشاركات في المتظاهرات.
ويبين التقرير ايضا أن افتقار الشباب إلى الثقة في العملية الديمقراطية يحدد من مشاركتهم في الانتخابات مقارنة مع مجموعات اخرى من المواطنين، ما يعمق حالة الحرمان الشامل التي يعانونها، والتي تمثل تحديا رئيسيا أمام عملية التنمية الإنسانية في المنطقة العربية.
الدّين والهوية والتطرف
يعد الدين عاملا قويا في تأجيج الصراعات السياسية اليوم داخل البلدان العربية. فغالبا ما توظف الحجج الدينية لحشد التأييد وتحقيق المكاسب ومهاجمة الخصوم، وان بدرجات مختلفة تتراوح بين الاعتدال والتطرف.
فاستخدام الدين كنقطة مرجعية من جانب جماعات تطرح بدائل للتغيير والانبعاث يكون عامل جذب مؤثر ليس بالنسبة إلى الملتزمين دينيا وحسب، بل ايضا إلى فئات مجتمعية معترضة على الظروف الراهنة، من بينها الشباب.
إضافة إلى ذلك، ومع تراجع دور الدولة وانهيارها في بعض بلدان المنطقة، اندفع مزيد من الناس إلى الاعتماد بشكل أكبر على شبكات تديرها جماعات دينية للحصول على الحماية والخدمات ؛ ما جعلهم أكثر عرضة لايديولوجيات قد تقيم، بحكم بنائها الفكري، حواجز بين الناس، وتبعد بعضهم عن قيم التسامح الفعلي وتحضهم على قبول نهج الاقصاء على كل المستويات.
وهذا يؤدي على نحو مباشر أو غير مباشر إلى اضعاف التماسك الاجتماعي، ويفتح المجال أمام توظيف الدين في خدمة السياسة، خصوصاً في غياب ضمانات قانونية وواقعية كافية لاحترام التعددية وحرية الرأي والمعتقد.
برزت خلال العقود الثلاثة الماضية في البلدان العربية عدة جماعات اتخذت مواقف اقصائية حادة ضد من تعتبره "الآخر" الذي تعني به كل من يختلف مع وجهات نظرها، مستندة في ذلك إلى تفسيرات دينية متطرفة، ما جذب إلى صفوفها اعدادا كبيرة من الشباب.
وازداد تفاقم الوضع منذ العام 2011 بعد ان فتح فراغ السلطة أو ضعفها في عدة بلدان المجال أمام تلك الجماعات لكي تتكاثر وتزداد تطرفا وتسلحا وعنفا، وصولا إلى العام 2014 الذي شهد صعود جماعات منظمة عابرة للحدود تستخدم ابشع أنواع العنف.
وتتذرع هذه الجماعات بالنص الديني من جهة، ويضعف الحكومات من جهة اخرى، لتسويق مشروع سياسي، متطرف يسعى إلى مخاطبة فئات مهمشة ومعترضة على الظروف الراهنة، ولا سيما الشباب، بواسطة الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي.
لا تخرج قدرة تلك الجماعات على جذب الشباب - من خلال ما توفره لهم من حوافز مادية وشعور بالتمكين وظهور إعلامي ونفوذ سياسي ودور مجتمعي - عن حدود المتوقع، فالافراد الساخطون يكونون اقل ميلا الى استخدام العمل الاجتماعي السلمي لتغيير بيئتهم، ويفضلون اشكال الاحتجاج الأكثر عنفا، خصوصا في ظل قناعتهم بعقم آليات المشاركة والمساءلة القائمة.
مع ان الشباب الذين ينضمون إلى مثل هذه الحركات ويدعمونها يأتون من طبقات اجتماعية واقتصادية مختلفة، يتبين أن غالبيتهم خبروا مباشرة نتائج اخفاق النموذج التنموي في المنطقة. ولذا انخرطوا في العنف لاعتقادهم بأنهم يفتقرون إلى خيارات أفضل، وربما ردا على مظالم أصابتهم أو أصابت مقربين منهم، مثل الفقر والاقصاء والقمع، أو حتى استجابة لرغبتهم في الانتماء إلى جماعة ما تلبي احتياجاتهم وطموحاتهم.
وتؤكد المؤشرات المتوفرة عند صدور هذا التقرير أن غالبية الشباب الساحقة في المنطقة العربية لا تميل إلى تبني أفكار متطرفة عنيفة، ولا إلى المشاركة في مجموعات او نشاطات ذات صلة لكن ذلك يجب إلا يدعو إلى الاستكانة.
مكتسبات التنمية الإنسانية العربية في مرمى النيران
شهدت المنطقة العربية، مقارنة بباقي مناطق العالم، تسارعا في وتيرة الحروب والصراعات المسلحة خلال العقد الماضي، وبخاصة في الاعوام الخمسة الاخيرة، حيث ارتفع عدد البلدان العربية المتأثرة بالصراعات من 5 في العام 2002 إلى 11 في العام 2016.
 وقد تسببت هذه الصراعات بالعديد من الوفيات والاعاقات، وزادت حركة النزوح ضمن تلك البلدان وإلى بلدان اخرى في المنطقة وخارجها، فضلا عن الاضرار الجسيمة التي أصابت البنية التحتية الاساسية، وتعطيل مسار التنمية المنقوص اصلا، وخلف هذا الاتجاه المتصاعد للصراعات أثارا جسيمة ومتعددة في الشباب الساعين الى التحصيل العلمي، وايجاد فرص عملل، وتأسيس عائلة، ما الحق بهم اضرارا مروعة من جراء ظروف الدمار والعنف، وانهيار المنظومة المجتمعية التي اصابت جميع الفئات العمرية، لكنها هددت أمن الشباب ومستقبلهم على نحو خاص.
تقضي الحروب والصراعات المسلحة وما تخلفه من دمار إلى موجات من الهجرة القسرية الجماعية، حيث تحدث منذ العام 2011 تحولات ديمغرافية هائلة في المنطقة العربية، وتعاني جموع الفارين انهيارا بالغا من نواتج تنميتهم الانسانية.
فقد انتجت الازمة السورية حتى الآن آكبر موجة نزوح ديمغرافي في المنطقة منذ تشريد الفلسطينيين في العام 1948، وهو ما يمثل نمطا مستمراً لتحولات ديمغرافية تحصل منذ منتصف القرن العشرين، وتؤثر في المنطقة التي اصبحت موطن 47 % من النازحين داخليا في العالم و58 % من اللاجئين في العالم.
لا تحجب هذه الاحداث المأساوية كلها معاناة الفلسطينيين وحرمانهم المتواصل، حيث تظل القضية الفلسطينية أكبر التحديات المصيرية في المنطقة واخطرها، ما دام الاحتلال الإسرائيلي قائماً وما دامت "مبادرة السلام العربية" للعام 2002 والجهود الدولية الاخرى لحل الازمة تراوح مكانها.
في هذا الجو الاقليمي المتوتر، تتجه بلدان عربية للتوسع في الانفاق العسكري لمواجهة تهديدات أمنية مباشرة، وتأثرا بإرث منافسات الحرب الباردة، وحالة القلق العام التي تعتري عدداً منها نتيجة صراعات سياسية معقدة مع بلدان مجاورة، علما بأن بعض بلدان المنطقة تعتبر من بين الأكثر انفاقا على التسلح في العالم.
لا شك في ان الانفاق العسكري الضخم، برغم أهميته، يؤثر سلبا على الاستثمار في التعليم والصحة والبنى التحتية والقطاعات الانتاجية، ما يكون بحد ذاته مصدر تهديد للأمن.
اضف إلى ذلك أن هذا الانفاق، بحكم طريقة إدارته، معرض أكثر من غيره لمخاطر الفساد والهدر، وبالتالي لاضاعة مزيد من موارد المجتمع التي كان يمكن استثمارها في مجال التنمية.
وهذا ما يؤكده مؤشر مكافحة الفساد في قطاع الدفاع، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية.