أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    22-May-2017

احتمالات ضئيلة للاستغناء عن الدولار كعملة الاحتياط الدولية* ذكاء مخلص الخالدي

الحياة-منذ مطلع الألفية الثانية والمحللون والمراقبون للنظام المالي العالمي يتوقعون قرب انتهاء دور الدولار كعملة للاحتياط الدولي، وبروز عملة أخرى أو مجموعة من العملات بدلاً منه. وتكثفت هذه التحليلات بعد انفجار الأزمة المالية العالمية في النصف الثاني من عام 2007 وأكدت أن استمرار الدولار كعملة الاحتياط الدولي لم يعد مبرراً ولا بد للعالم أن يجد بديلاً منه. وحتى بعد تراجع آثار الأزمة المالية العالمية الأخيرة تجددت أخيراً تحذيرات المراقبين والمحللين من وضع الدولار مشيرة إلى أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة في هذا المجال، ولكنه سيبقى عملة للتداول داخل الولايات المتحدة فقط. وأعطت لذلك ثلاثة مؤشرات أساسية: الأول، تراجع دور الدولار في حجم الاحتياطات الدولية من 70 إلى 63 في المئة، والثاني قيام روسيا والصين ببيع ما لديها من سندات خزانة أميركية بحيث باعت منذ 2009 وحتى الوقت الحاضر ما يعادل 800 بليون دولار، والثالث توجه بعض الدول، خصوصاً الصين وبقية دول «بريكس»، إلى استبعاد الدولار من معاملاتها التجارية واللجوء إلى نظام المقايضة بين سلعها ومقاصة الفرق بين الاستيراد والتصدير بالذهب. كما شملت المقايضة التجارة بين الصين وبعض الدول النفطية. وتحاول الدول التي تتوقع انحسار أهمية الدولار كعملة الاحتياط الدولي بالتحوط لسقوطه المتوقع من خلال الإقبال على شراء الذهب، فالصين وحدها اشترت منذ 2008 نحو 8000 طن من الذهب. فهل تكفي هذه الأدلة بالجزم أن الدولار سينتهي عاجلاً وليس آجلاً كعملة الاحتياط الدولي؟
 
في أعقاب أزمة 2008 عقدت اجتماعات متعددة لمجموعة الثمانية ومجموعة العشرين ودول عدم الانحياز ومنظمات الأمم المتحدة ومنظمات «بريتن وودز» لبحث استبدال الدولار بعملة أخرى أو بسلة من العملات لتكون عملة الاحتياط الدولي. ولكن أياً منها لم يتقدم باقتراحات تستحق الدرس أو التطبيق، وحتى الدول التي قررت تنويع احتياطاتها لتقلل من الاعتماد على الدولار، لم يترك ما قامت به أثراً يستحق تطبيقه أو محاكاته من قبل دول أخرى، فالتخلي عن الدولار كعملة الاحتياط الدولي لا يمكن أن يتحقق بسلوك فردي من بعض الدول التي تسعى إلى التحول لأسباب سياسية أو اقتصادية. فهناك مجموعة من العوامل الراسخة التي تعطي عملة معينة أهميتها لتصبح عملة الاحتياط الدولي، وأهم هذه العوامل الثقة بالعملة ذاتها والتي تخلقها في العادة القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية مجتمعة للدولة المعنية، وحتى عندما تمر عملة الاحتياط الدولي بأزمات ضعف وتقلب تظل محتفظة بقوتها طالما ظلت الدولة صاحبة العملة الأقوى على مستوى العالم.
 
ولا يعتبر توجه الصين أو دول مهمة أخرى إلى تنويع احتياطاتها أمراً مستجداً، فهي في سعي دائم إلى التحول من عملة إلى أخرى عندما تبرز مخاوف لديها من تآكل احتياطها نتيجة الإكثار من حمل عملة معينة.
 
إن القول أن لا بديل للدولار في الوقت الحاضر، لا يعني أنه سيظل من دون بديل إلى الأبد. ولكن هذا البديل غير موجود حالياً، ففي العالم اليوم 185 عملة. ونظرياً أي واحدة منها يمكن أن تحل محل الدولار. ولكن عملياً لا يستطيع أي منها أن يقوم بهذا الدور لعدم توافر الخلفية الملائمة بعد. إن الثقة بأي عملة لاستعمالها كعملة احتياط دولي لا تأتي من فراغ ولا تتكون خلال فترة زمنية قصيرة، فهناك عوامل اقتصادية وغير اقتصادية عدة تخلق هذه الثقة إلى جانب صمود العملة أمام أحداث مناوئة لا يستهان بها على مدى فترة غير قصيرة من الزمن.
 
منذ أواخر عام 2002 والدولار يسجل انخفاضات مستمرة تجاه العملات الرئيسة الأخرى، ففي آب (أغسطس) 2007 بلغ أدنى مستوياته في مقابل الإسترليني منذ 1981، وهو 2.006 دولار، والأدنى تجاه اليورو (1,42) منذ بدء التعامل بالأخير في 1999.
 
ولكن قوة أميركا السياسية والاقتصادية والعسكرية واستقرار مؤسساتها الداخلية لا يزالان يعطيان دعماً كبيراً للدولار كعملة احتياط دولي ومخزن للقيمة. كما إن التزام أميركا الطويل بأسواق رأس المال الحرة وحكم القانون واستقرار الأسعار منح الدولار صدقية كمستودع للقيمة. وحتى عندما تؤدي سياسات اقتصادية وعسكرية أميركية إلى انخفاض الدولار وتفكر الدول والأفراد بالتحول إلى عملات أخرى، لا يكون الانخفاض في حصة الدولار كبيراً.
 
إن قوة الاقتصاد الأميركي تعني أن الدولار لا يزال أقوى عملة في العالم، فهناك 6,1 ترليون دولار من سندات الحكومة الأميركية خارج الولايات المتحدة، وأكثر من ثلث إجمالي الناتج المحلي العالمي تحققه دول ترتبط عملتها بالدولار. وتتم 85 في المئة من تجارة الـ «فوركس» بالدولار، و39 في المئة من ديون العالم ، كما أظهر آخر تقرير لمنظمة التجارة العالمية أن 60 في المئة في المئة من تجارة العالم في الغذاء والطاقة والخدمات لعام 2016 تمت بالدولار و40 في المئة باليورو.
 
ويطرح بعض المحللين اليورو أو اليوان كبديل عن الدولار. ولكن الأول يعاني من مشكلات عدة منذ بروز مشكلة الديون السيادية. كما يهدد خروج بريطانيا وتلميح دول أخرى بالانسحاب، استمرارية كيان الاتحاد الأوروبي كلاً. أما الاقتصاد الصيني، فلا يزال في مرحلة تحول ولم يصل بعد إلى مرحلة الاقتصادات الناضجة. ويعتبر الاقتصاد الأميركي أكثر مرونة من الاقتصاد الصيني والدولار أكثر أمناً من اليوان.
 
وأخيراً لا بد من القول إن الدول ليست حرة بالكامل في كيفية الاحتفاظ باحتياطاتها. فالولايات المتحدة تمارس ضغوطاً مباشرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية على دول مثل ألمانيا وربما اليابان أيضاً للاحتفاظ باحتياطاتها بالدولار. وهذا ما قصدت به بالهيمنة السياسية والعسكرية للولايات المتحدة.
 
 
 
 كاتبة متخصصة بالشؤون الاقتصادية