أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    22-Nov-2020

المالية العامة ومأزق كورونا!؟

 الغد-محمد البشير 

 تعاني المالية العامة في الاردن اختلالات جوهرية منذ ما يزيد على عقدين من الزمن، وذلك انعكاساً لتعاون بدأ في بداية القرن الماضي وما زال مستمراً حتى تاريخه مع صندوق النقد الدولي وتوأميه البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية التي أتت على هذه المالية من حيث تعظيم النفقات الجارية التي تحتل الرواتب ومشتقاتها الحصة الاكبر وبمعدل يزيد على (70 %) من بند النفقات، وبعلاقة عكسية مع النفقات الرأسمالية التي كانت في تراجع مستمر وفي حالات كثيرة لجأت الحكومات المتعاقبة الى تجميد بنودها لمواجهة ارتفاع معدلات النفقات الجارية التي تعد مع الرأسمالية اداة المالية العامة الاولى.
ومما زاد الطين بلة استجابة الحكومات الى توصيات و/ او تنفيذ ما ورد في البرنامج الثاني الموقع مع صندوق النقد للفترة (92 – 94) حول احلال ضريبة المبيعات على المستوردات والسلع والخدمات المباعة على حدٍ سواء بدلاً من الضريبة على الدخل، بحيث اصبحت تحصيلات الخزينة من الضرائب غير المباشرة (مبيعات + جمارك) تزيد على (70 %) من الايرادات الضريبية مما شكل عبئاً على القوة الشرائية للمواطنين والمنشآت التي انعسكت مباشرة على قانون العرض والطلب وادت الى انخفاض الانتاج بالمحصلة النهائية حيث كانت تجليات ذلك في ضرائب مبيعات على مدخلات الانتاج الصناعي والزراعي على وجه الخصوص وعلى الطاقة والاتصالات عموماً، ولم تفلت منها الخدمات المهنية التي تتراوح حصتها من الناتج المحلي الاجمالي ما يزيد على (10 %) كل ذلك ساهم في ارتفاع كلف المنتج سواء كان سلعياً او خدمياً وهذا يعني ان العبث بالاداة الثانية للسياسة المالية (الضرائب) ساهم في ازمة مستمرة تعاني منها المالية العامة تجلى في العجز المتصاعد للموازنة سنة بعد سنة، ولمواجهة ذلك لجأت الحكومات خلال هذه الفترة الى الاستخدام الخاطئ للمديونية الاداة الثالثة للمالية العامة من حيث استخدامها في معالجة هذا العجز و/او مواجهة النفقات الجارية المتصاعدة، بدلاً من استخدام المديونية لدعم النفقات الرأسمالية تعزيزاً للبنية التحتية في النقل، الصحة والتعليم، هذه الازمة الهيكلية في المالية العامة عكست نفسها على الاقتصاد الجزئي صناعة، زراعة، خدمات، حيث وضعت الاقتصاد الاردني في مصاف الدول غير المنافسة وفق منظمة التجارة العالمية مما ادى الى عجز مزمن في الميزان التجاري وارتفاع متزايد في البطالة ومتلازمها الفقر وذلك انعكاس لانكماش اقتصادي خفض من حصة الصناعة والزراعة من الناتج المحلي الاجمالي التي لم تتجاوز (31 %) .
كل ذلك كان قبل الرياح العاتية التي أتت بفيروس كورونا التي كانت مطرقة قاسية على الحكومة والمجتمع على حدٍ سواء وكشفت بشكل متسارع الخلل الكبير في البنية التحتية سواء كانت صحية او تعليمية او توعوية ذات علاقة بثقة المواطن بالدولة واجهزتها خاصة منها الصحية، وذلك انعكاس مرة اخرى لنفقات رأسمالية متواضعة خلال السنوات الثلاثين الماضية على القطاع الصحي او التعليمي، والذي بدوره كان من اسباب تراجع الاستثمارات المحلية ، واقتصارها على مشاريع الانشاءات او مشاريع الطاقة التي لم تسهم في انخفاض كلفة المنتج السلعي او الخدمي، التي تشكل الطاقة بعد ضريبة المبيعات العامل الثاني في ارتفاعه، حيث تشكل كلفة التمويل العامل الثالث لارتفاعه، فالاردنيون منشآت وافراداً مدينون كالدولة بما يقارب الـ (30) الثلاثين مليار دينار وان معدل الفائدة على هذه القروض يتراوح بين (6-12 %) خلافاً لمعدلها في الدول العشرين مثلاً، التي تتراوح معدلاتها بين (الصفر الى 3 %). هذه العوامل (ضريبة مبيعات، طاقة، تمويل) اضافة الى فاتورة الضمان الاجتماعي على الرواتب اصبحت عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد، من حيث عدم قدرته على منافسة السلع المستوردة المفروضة على الاردن وفق اتفاقية التجارة الحرة او في قدرتها على منافسة السلع الاجنبية في الاسواق الخارجية التي تصل الى (140) دولة في العالم حسب غرفة صناعة عمان.
كل ذلك يتطلب معالجة جذرية لملف الضريبة من حيث تخفيض ما امكن من الضرائب غير المباشر على مدخلات الانتاج الصناعي والزراعي، وعلى السلع المنتجة ذات المساس الواسع بابناء الطبقة المتوسطة والفقيرة، الى جانب تصنيف السلع (شعبية، رفاهية، فاخرة) بإعفاء الاولى ورفع معدلاتها على الثانية والثالثة بما في ذلك الخدمات بمختلف مسمياتها سواء كانت مهنية او ذات علاقة بخدمات التأمين الصحي او غيرها من الخدمات، مع اخضاع الدخول العالية الى ضرائب عادلة (ضرائب على الدخل)، حتى لا يحدث عجز في تحصيلات الخزينة من جهة ولرفع الطلب على سلع المنتجين صناعياً وزراعياً من جهة اخرى كمدخل هام لاحداث انعاش اقتصادي .
ان تفشي الوباء عالمياً فرض على الدول اقفال الحدود والدعوة في ذات الوقت للاعتماد على الذات في الانتاج كمدخل للحد من انتشار الوباء من جهة ولتشغيل القطاعات المتضررة من جهة اخرى وهذا يتطلب المعالجة الجذرية للادوات الثلاث (النفقات ، الضرائب، المديونية) التي ارهقت اقتصادنا وعمقت فجوة الدخل بين الافراد والمنشآت على حد سواء كمدخل لاعادة ثقة المواطن في دولته التي بحاجة اليوم الى فريق سياسي واقتصادي قادر على وضع خطط واقعية لهذه المعالجة التي لا سبيل الا باتباعها بعيداً عن وصفات صندوق النقد والبنك الدوليان ، مما ادى الى ارتفاع النفقات الجارية والمديونية، التي كانت معول تهديم للمالية العامة على وجه الخصوصة والاقتصاد الوطني بشكل عام والتي احدثت خللاً حقيقياً في منظومتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية.