أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    07-Feb-2019

تفضيل الاقتراض الحكومي الخارجي وأسطوانة عدم مزاحمة القطاع الخاص!

 الغد-جواد جلال عباسي

تحتاج الخزينة الأردنية قروضا جديدة سنوية بقيمة حوالي بليون دولار هي تقريبا قيمة عجز الميزانية بعد المنح والمساعدات. وفي الآونة الأخيرة تكررت مقولة إن الاقتراض الخارجي (أي من خارج السوق المصرفي الأردني ومن خارج أدوات الدين العام المحلية) أفضل لكي لا يزاحم القطاع الخاص في القروض المحلية والتي يحتاجها لتمويل أعماله وتوسعه. وتبع ذلك الفرحة العارمة بالقرض الجديد من البنك الدولي. هذه المقولة تحتاج لبعض التمحيص لأنها قد تنطوي على فرضيات خاطئة أهمها أن القدرة الإقراضية للسوق المحلي (بنوكا ومستثمرين) ثابتة ولا تزيد مع الطلب.
بداية هناك إيجابيات وسلبيات للاقتراض الخارجي والداخلي والاقتراض بالعملة المحلية مقابل العملة الصعبة يمكن تلخيصها بالآتي:
 
الاقتراض الخارجي بالدولار يسهم في رفع مستوى الاحتياطيات الأجنبية في البنك المركزي وهو ما لا يتحقق عبر الاقتراض المحلي بالدينار. لكن الاقتراض المحلي بالدولار يحقق النتيجة نفسها إذا ما استقطب ودائع جديدة بالدولار من خارج الأردن.
عند الاقتراض محليا (بالدينار أو الدولار)، فإن حوالي ثلث الفائدة المدفوعة تعود للخزينة كضرائب دخل على الجهاز المصرفي عكس القروض الخارجية التي تذهب فوائدها أرباحا لجهات خارج الأردن. وعليه فإن كلفة القرض المحلي الحقيقية على الخزينة تقل بالثلث تقريبا عن سعر الفائدة المدفوع. وهذا يعني أن القرض المحلي الذي يدفع 6 % فائدة مثلا يوازي قرضا أجنبيا بفائدة 4 % من ناحية الكلفة الحقيقية على الحكومة.
كذلك فإن الفوائد المدفوعة للاقتراض المحلي تذهب في جزء منها كقيمة مضافة للقطاع المصرفي (رواتب ومنافع موظفين وأرباح بنوك) ولها تأثير مضاعف في الاقتصاد؛ حيث يذهب جزء منها كنفقات في قطاعات اقتصادية أخرى مثل التأمين والعقار وخدمات تقنية المعلومات وغيرها.
تبقى نقطة مزاحمة القطاع الخاص في الاقتراض المحلي وهي مهمة. فالبنوك المحلية حتما ستفضل إقراض الحكومة على إقراض القطاع الخاص لأن الدين الحكومي بالدينار الأردني صفر المخاطرة مقارنة مع الدين للقطاع الخاص. وعليه فإن ازدياد الاقتراض الحكومي بدون توسيع القدرة الإقراضية الكلية للجهاز المصرفي سيزيد من كلفة الاقتراض على القطاع الخاص. النقطة الأساسية هنا افتراض عدم توسع القدرة الإقراضية الكلية للجهاز المصرفي وثباتها. وافتراض أن الاقتراض الحكومي واقتراض القطاع الخاص يخضعان لمعادلة صفرية، بحيث يقل الاقتراض من قبل القطاع الخاص إذا زاد اقتراض الخزينة. هذه الفرضية خاطئة وليست واقعا لا فرار منه.
في الأردن 16 بنكا أردنيا و9 بنوك غير أردنية بمجموع 25 بنكا. وتجاوز مجموع حقوق الملكية في القطاع المصرفي 6 بلايين دينار في 2017 بنمو بنسبة 4 % عن 2016. فيما تجاوزت موجودات القطاع المصرفي 49 بليون دينار في 2017 بنمو 1.5 % عن 2016. منها أكثر من 22.5 بليون ديونا على القطاع الخاص و10 بلايين ديونا على القطاع العام.
نظريا يمكن زيادة الإقراض الحكومي بدون مزاحمة القطاع الخاص بما أن ودائع القطاع المصرفي تزيد بوتيرة أعلى من المبلغ المقرض للقطاع الحكومي سنويا. كذلك فإن زيادة رأسمال القطاع المصرفي سيزيد كثيرا من قدرته على إقراض القطاع العام بدون أي تأثير على القطاع الخاص كون الإقراض للحكومة لا يزيد العبء على نسبة معدل كفاية رأس المال بسبب قلة المخاطرة في الإقراض الحكومي.
بحسب تحليل سابق عن التركز في القطاع المصرفي الأردني، تبين أن سوقنا المصرفي في الأردن حاليا لا يعاني من تركز عال، وفيه -في الوقت ذاته- مجال لعمليات اندماج واستحواذ بين البنوك الصغيرة من دون تأثير سلبي على مقياس التركز. خصوصا أن أكثر من نصف البنوك تحقق أرباحا متواضعة مقارنة بحقوق الملكية.
نعلم كذلك فإن البنك المركزي يحاول تشجيع اندماج البنوك الصغيرة منذ فترة طويلة بلا نجاح يذكر. ولربما يكون عدم التشجيع الواضح لترخيص بنوك أردنية جديدة سببا في عدم نجاح سياسة تشجيع الاندماج بين البنوك الصغيرة. فهذا التوجه لعدم تشجيع إنشاء بنوك أردنية جديدة يجعل رخصة البنك العامل في الأردن ذات قيمة عالية -بنظر مالكيها على الأقل- مرتبطة بندرتها وعدم توفرها لداخلين جدد. ولربما يكون الطريق الأنجح نحو تحفيز الاندماج بين البنوك في الأردن عبر فتح المجال وتشجيع إنشاء بنوك تجارية وإسلامية أردنية جديدة بدلا من سياسة عدم تشجيع أي ترخيص جديد. وهنا يجب التذكير بأن البنوك لا تستخدم مصادر عامة محدودة كالترددات أو المناجم أو آبار النفط. لذلك لا تجد تحديدا لأي حد أقصى لعدد البنوك في الدول الصناعية الكبرى بل يترك العدد لقوى السوق في كل دولة مع تركيز البنوك المركزية والمنظمين والحكومات على الأطر التشريعية والتنظيمية والضريبية الصارمة للبنوك، إضافة الى التدخل السريع لمنع التركز ومنع ومعاقبة الممارسات الاحتكارية والمعادية للمنافسة.
هذا الأسلوب قد يكون ملائما للأردن لتحفيز السوق نحو الاندماج بين البنوك الصغيرة والمتوسطة والتي ستقلل من الكلف وتزيد الكفاءة وربما تجذب استثمارات وودائع جديدة في السوق المصرفي الأردني تزيد من قدرة القطاع على الإقراض الحكومي (بالدينار والدولار) وفي الوقت ذاته الاستمرار في التوسع في إقراض القطاع الخاص. وهنا مقترحات أولية تقبل النقد والنقاش:
إعلان رسمي واضح عن ترحيب البنك المركزي في الأردن بإنشاء بنوك تجارية وإسلامية أردنية جديدة شريطة أن تكون شركات مساهمة عامة برأسمال لا يقل عن 300 مليون دينار مثلا، وهو مبلغ أعلى من رأسمال ثاني أكبر بنك في الأردن. بمعنى أن لا تعطى التراخيص إلا للبنوك الكبيرة منذ البداية.
الإعلان، وبوضوح، أن الأردن لن يحدد الحد الأعلى للبنوك العاملة فيه وأن الترخيص سيعطى لأي بنك جديد يستوفي شروط الترخيص، وهذا كفيل بتغيير نظرة البنوك الصغيرة الى قيمة الترخيص التي تملكه من شىء ثمين للغاية يكون -وحده سببا لعدم التفكير بالاندماج مع بنوك أخرى الى مسألة روتينية بدون قيمة عالية.
إعلان الحكومة كذلك على تفضيل الاقتراض من القطاع المصرفي المحلي على الاقتراض الخارجي شريطة أن لا يزيد الاقتراض الحكومي الإضافي سنويا على الزيادة في رأسمال البنوك الأردنية في السنة نفسها أو عن نسبة معينة من الزيادة في الودائع لدى هذه البنوك لضمان عدم التقليل من رغبة البنوك في إقراض القطاع الخاص. وهذا الإعلان الحكومي سيكون نقطة جذب لمستثمرين جدد في القطاع المصرفي لجاذبية العائد.
الإعلان عن إمكانية دخول بنوك جديدة الى السوق قد يكون وحده كافيا -قبل دخول أي بنك جديد- لتحفيز الاندماج بين البنوك الصغيرة التي ستقلق حتما من تأثير دخول بنوك جديدة برأسمال عال على حصتها السوقية وربحها.
وإذا ما دخلت بنوك جديدة السوق، فهذا سيأتي بمنافع عديدة من ضمنها تمتين القاعدة الرأسمالية الكلية للقطاع المصرفي الأردني وزيادة نسبة الأشخاص المستخدمين للخدمات المصرفية في الأردن. كذلك ستزيد فرص استخدام أساليب مبتكرة وجديدة للخدمات المصرفية تشمل -على سبيل المثال لا الحصر- بنوك الانترنت التي لا تملك شبكة فروع بل تستخدم تحالفات مع شركات غير بنكية لتقديم الخدمات المصرفية بكلفة أقل وانتشار أكثر.
كل هذا قد يزيد من جاذبية القطاع المصرفي الأردني لاستقطاب استثمارات فيه من مستثمرين أردنيين مقيمين أو مغتربين ومن مستثمرين غير أردنيين. وأيضا استقطاب مزيد من الودائع بالعملة المحلية والعملات الصعبة.
القدرة الإقراضية للقطاع المصرفي والسوق المحلي (بنوكا ومستثمرين) ليست ثابتة، بل المفترض أنها تزيد مع الطلب. ولهذا لا أساس للقول إن الاقتراض المحلي سيزاحم القطاع الخاص، لكن التوسع في الاستثمار في القطاع المصرفي الأردني مقيد بسياسات بنك مركزي لا تشجع على إنشاء بنوك أردنية جديدة بحجة تشجيع اندماج البنوك، وهي سياسة لم تنجح لتاريخه. المطلوب سياسة جديدة تكون نتائجها استثمارات جديدة في القطاع المصرفي وعمليات اندماج تحصل بعوامل المنافسة.