أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    08-Jul-2018

استعادة الكفاءة العامة للدولة *باسم الطويسي

 الغد-بعيدا عن العبارات والعناوين الكبيرة (تغيير النهج، مشروع النهضة الوطني، العقد الاجتماعي الجديد) وغيرها من عبارات رائعة ولكنها حالمة وأحيانا غير واقعية؛ نحن بحاجة الى عنوان واقعي للمرحلة من المفترض أن يعكسه برنامج الحكومة وبيانها أمام البرلمان ويمكن مساءلتها على أساسه، ولا يوجد اليوم أهم من رؤية جذرية لاستعادة أو إعادة بناء الكفاءة العامة للدولة.

 
علينا أن ندرك حجم الأزمة في صناعة السياسات العامة وإنضاجها وإنفاذها، والمتمثلة في الارتجال في معظم القطاعات، وعدم بناء خبرة وطنية في قطاعات أخرى؛ وكذلك في ضعف أدوات المشاركة في بناء السياسات العامة، وصولا الى نظم المراقبة والتقييم. علينا أن نطرح أسئلة أكثر عمقا لماذا فشلنا في التحول الرقمي رغم الكلام المرسل منذ عقدين، ولماذا تعثرنا في دفع الجامعات كي تتجاوز أزمتها المالية المزمنة منذ أكثر من عقد ونصف العقد، ولماذا فشلنا في الخروج من الحلقة المفرغة في أزمة البطالة والعمل، ولماذا فشلنا في الاستجابة لتحدي سوق السياحة الإقليمي والدولي، ولماذا فشلنا في تطوير حلول ملائمة في النقل العام، ولماذا فشلنا في تنمية المحافظات، وقس على ذلك قطاعات ومؤسسات أخرى عديدة.
 
ضعف الكفاءة العامة هو الأساس الموضوعي لفهم أزمة الثقة بين الحكومات والمجتمع وأزمة الثقة بين المؤسسات التمثيلية وفي مقدمتها مجلس النواب والمجتمع؛ ما يعني عمليا أن آليات بناء وتصعيد النخب سواء الطبقة السياسية أو التكنوقراط والبرلمان جميعها مصابة بعطب مزمن، وعلينا أن نتصور حجم التشوهات التي أصابت الإدارة العامة، والاختلالات التي لحقت بالأداء العام وجعلته ماكنة عتيقة لها ضجيج هائل وبدون إنتاج حقيقي.
 
ازداد التوظيف السياسي للقانون وللمؤسسات، ما جعل الإدارة العامة رهن إشارة الطبقة السياسية وتحت هيمنتها، وظهرت أجيال من السياسيين أبدعوا في وضع القانون على الرف تحت ذرائع وحجج تتلخص برؤيتهم للصالح العام، وفي سياق من خطاب الولاءات الذي لم يخدم الأردن وقيادته وشعبه والذي ذهب للاستهلاك المحلي، ضحينا بالكفاءة في معظم المدخلات والعمليات، ولدى الكثيرين منا أمثلة عديدة وفي ملفات كثيرة.
 
الانحياز لفكرة الدولة الديمقراطية الوطنية، بآفاقها المدنية الرحبة، بدون وجود إنجازات على الأرض، وبدون وضوح عام للخيارات أو على الأقل خريطة طريق قابلة للتوافق حولها لا يكفي؛ فالدولة والمجتمع أمام سلسلة تحديات تبدو اليوم على شكل أزمة مركبة ومعقدة، ترجع في عمقها وأسبابها إلى سلوك المؤسسات وسلوك النخب وخياراتهما غير المستقرة وغير الناضجة وغير المسؤولة، بينما يبدو ثقل مخرجاتها في المجتمع وفي تعبيراته اليومية، في تراجع كفاءة المخرجات العامة، وسيطرة نمط من الثقافة السياسية الانتهازية، ثم في موجات الجريمة والعنف والتشوهات الاجتماعية، وأخيرا في أنماط متعددة من الاحتجاج والعصيان والتعبيرات المحتقنة، وغدا لا أحد يعرف ماذا تأتي به الأيام.
 
أزمة الكفاءة العامة تبدو نتائجها في تراجع جودة الأداء العام للمؤسسات العامة نتيجة عوامل مركبة؛ أهمها عوامل بنيوية في تكوين النخب الحكومية، وعوامل تشريعية وتنظيمية وإجرائية وتحديثية، علينا أن نعترف أن الدولة الأردنية قد افتقدت منذ عقود للكفاءة في تطوير السياسات العامة وفي نظم الرقابة والتقييم، لقد مرت علينا حكومات أدارت البلاد بالإشاعات أكثر من السياسات.
 
نعم "السيستم" يعمل؛ والآخرون من الخارج وفي أحيان كثيرة ينظرون إلينا بإعجاب ويغبطوننا وربما يحسدون هذا البلد الصغير المحاصر فعليا من دون إعلان رسمي والقادر على الاستمرار والاستقرار وسط الظروف المحيطة الصعبة وظروفه الداخلية المعقدة، ولكن السيستم ذاته يبدو من الداخل مترهلا وغير قادر على الحركة بقوة الدفع الذاتي؛ كلمة السر التي تحتاج إلى رؤية جديدة اليوم تختصر باستعادة كفاءة الدولة.