أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    18-Apr-2017

ثقافة الشركات الكبرى.. الزبون لم يعد دائما على حق... لم يعد أحد يهتم باحتياجاتهم مثلما كان معتادا في السابق
العرب -
لم يعد إسعاد الزبائن الهم الأول لشركات عملاقة بدأت تزحف على الأسواق مقتطعة أسهما ضخمة منها، بدرجات تصل إلى حد الاحتكار أحيانا.
 
وبات الناس يفتقدون المقاهي الصغيرة على زاوية الشارع، التي يعمل فيها الزوج والزوجة وأبناؤهما، ومحلات السوبرماركت الصغيرة، ومطعم الحي الذي كان أصحابه يعرفون زبائنهم بالاسم.
 
وبدلا من ذلك باتت سلاسل السوبرماركت العملاقة تهيمن على تجارة التجزئة، والمراكز التجارية الكبيرة احتلت مكان الأسواق التقليدية، وشركات الطيران العملاقة تسيطر على الأجواء.
 
وأدى كل ذلك إلى خروج الخدمات المقدمة إلى الزبائن من نطاق شخصنتها في إطار جودة عالية، إلى النظر إلى الزبون باعتباره رقما ليس أكثر.
 
ولا يستطيع أحد ألا يلتمس العذر لشركة طيران “يونايتد إيرلاينز” الأميركية. بنت الشركة سمعتها من خلال قدرتها على السيطرة على التكاليف. فاز مديرها أوسكار مونوز مؤخرا بجائزة “أفضل شخصية تملك علاقات لهذا العام”.
 
حاولت الشركة مؤخرا تعويض مجموعة من المسافرين على متن إحدى طائراتها التي فاق عدد مسافريها عدد مقاعد الطائرة الأساسية، لتوفير بعض الأماكن لبعض أفراد طاقم الطائرة.
 
    انخفاض الأسعار يعني انخفاض مستوى الخدمة، وعلى المسافرين توقع حدوث تأخيرات، وإلغاءات، ومقاعد الطائرة الضيقة، وعدم توافر وجبات الطعام على متن الطائرات، وتعرضهم للطرد من الطائرة أحيانا
 
وعلى الرغم من عرضهم مبلغ 800 دولار أميركي لتعويض المسافرين، الذين رفضوا بدورهم التحرك من مقاعدهم، لم يكن أمام الشركة أي خيار آخر سوى إقناعهم بالقوة الجبرية.
 
ماذا يتوقع المسافرون من رحلات الطيران الرخيص؟ تتبع الشركة سياسة زيادة حجوزات مقاعد الطائرة لتفوق عدد المقاعد المخصصة للحجز أساسا بفعل تقديرها أن بعض المسافرين سيتخلفون عن الرحلات، لكن أين هو دور العلاقات العامة هنا؟
 
على غرار حادثة الاثنين الماضي هبطت أسهم شركة “يونايتد” بحسب تقارير الوكالة الاقتصادية “بلومبيرغ”. ورأى المحللون أن الشركة ستفي بالتزامها بالرقابة على القدرة الاستيعابية للطائرة.
 
وتعافت أسهم الشركة قليلا في سوق المال بعد تصريحات مونوز عقب الحادثة. كل ما تستطيع ميزانية “يونايتد” فعله هو الاستثمار في المحامين.
 
تتناول القضية قانون “صناعة الخدمات الحديثة”.
 
فكلما كبُر حجم الشركة، كلما احتاجت إلى إرساء خطة قواعد وأهداف للسيطرة على العمليات وخفض التكاليف، مما يعني أن الشركة لا يمكن أن تغفر أي تصرف خاطئ يصدر عن مديريها، ناهيك عن المؤسسات الأخرى التي تعاقدت معها الشركة مثل قوات أمن المطار في هذه الحالة.
 
ويقول سايمون جينكينز المحلل في صحيفة الغارديان وصحيفة إيفننغ ستاندرد في بريطانيا، إن “الشركات الضخمة ليست مرنة بالشكل الكافي كي تتمكن من تهذيب الفرع الأعوج لمزاج الجنس البشري. أهمية استثمار الأموال تقبع في جعل هذا الفرع مستقيما”.
 
وبحسب مبدأ أحد رواد علم الإدارة وهو بيتر دراكر، فإن “جميع المؤسسات الصغيرة تحتاج إلى أن تكون أكبر، وجميع تلك الكبيرة تحتاج إلى أن تكون أصغر”، لكن الشق الثاني من مقولة دراكر غالبا ما يكون أكثر صعوبة لتحقيقه.
 
وتتبع الآن المؤسسة الوطنية للرعاية الصحية في بريطانيا (ان اتش اس)، التي باتت تعاني ضغوطا صعبة في الآونة الأخيرة، خطة أهداف محددة بحيث تلفت النظر بعيدا عن اتهامها ببعض “الممارسات اللاإنسانية” التي تحدث بداخلها.
شركات الطيران العملاقة تسيطر على الأجواء العالمية
 
وتتمثل تلك الممارسات في ازدياد فترات انتظار المرضى في وحدة الطوارئ داخل المستشفيات التابعة للمؤسسة، بالإضافة إلى تأجيل مواعيد العمليات لفترات طويلة بشكل مؤلم، بل ويمتد الأمر إلى ازدياد سوء خدمة الرعاية الصحية في ما بعد إجراء العمليات الجراحية، ويتم إخراج المرضى من المستشفيات بعد إجراء العملية بوقت قصير وإرسالهم إلى منازلهم.
 
وسيطر هاجس “استخلاص النتائج البحثية” على الجامعات على حساب اتباع خطة تعليم جيدة للطلاب.
 
وفي ديسمبر الماضي أعطت المحكمة جامعة أكسفورد حق الرد على القضية المرفوعة ضدها من طالب فشل في الحصول على الدرجات الأولى كما كان متوقعا منه.
 
وبالبحث في الأدلة اتضح أن الجامعة منحت أعضاء هيئة التدريس عطلة مدفوعة الأجر بجانب الستة أشهر الأساسية التي يحتاجونها طوال السنة للتفرغ للعمل البحثي.
 
وينطبق الحال أيضا على شركة “يونايتد”، حين اتُهمت جامعة أكسفورد بتفضيل مصالحها الخاصة على مصلحة الطالب، مما أدى إلى فشل الطالب في تحقيق أعلى الدرجات، على حد قوله، وهو ما أضر بشكل مباشر بمستقبله المهني.
 
يكمن جوهر صناعة الخدمات في كيفية التواصل مع الزبائن؛ بداية من حصة اليوغا، مرورا بالجلسات العلاجية وتصميم الديكورات والمطاعم ومكاتب السفر والسياحة، حيث يحتاج الزبون إلى أن يشعر بقيمة الخدمة التي يتلقاها.
 
ولا تكمن الخدمة التي يبحث عنها الزبائن في جودة المنتج بحد ذاته، وإنما في التجربة التي يعيشها الزبون المتلقي لتلك الخدمة -في المجاملة والإنسانية واللطف.
 
لا يجب أن نتوقع وجود فروق بين الدرجة الأولى أو الثانية من الخدمة، أو بين الرعاية والاهتمام من عدمها.
سايمون جينكينز: المؤسسات الصغيرة تحتاج إلى أن تكون أكبر والمؤسسات الكبيرة تحتاج إلى أن تكون أصغر. الشق الثاني يظل تحقيقه أصعب
 
ولذلك نجد تزايدا في حجم المشكلات كلما تعاقدت الشركات مع وكلاء خارجيين آخرين لتنفيذ بعض المهام.
 
وكلما ازدادت التعاقدات كلما أثر ذلك بالسلب على العلاقة بين مسؤولي الشركة الأساسيين وبين مديري الشركة التي تعمل كواجهة. وكلما كبر حجم الشركة الأم كلما تمرد موظفوها على النظام البيروقراطي بها وألقوا بذنب فشلهم على المسؤولين الكبار.
 
وبالرجوع لحادثة الاثنين، لم يكن ولاء مسؤولي الأمن بمطار شيكاغو مثلا لشركة الطيران، بل وحتى لم يكترثوا كثيرا لسمعتها، ولكن كان ولاؤهم الأول والأخير منصبا على قادتهم في خدمة الشرطة المحلية.
 
وتسعى شركات الخدمات الكبرى لإطلاق المصطلحات والكنايات اللغوية لتبدو وكأنها أصغر. فتجد “شركة يونايتد” تطلق على نفسها لقب “راعية الأجواء الصديقة”، وبنك “إتش إس بي سي” يتبنى لقب “البنك المحلي الدولي”، وتطلق شركات الاستثمار العقاري بلندن لقب “قرى” على المنازل الخاوية التي تسوق لها، ولقب “الشوارع الواسعة” على محلات “السوبرماركت الكبيرة”، ولقب “دار الرعاية” على المستشفيات، بل وحتى استخدمت الشرطة لقب “خدمة المجتمع”.
 
ويقول جينكينز “سألت أحد الأصدقاء الذين عملوا في إدارة مستشفى ما، لماذا تعاملت مؤسسة الصحة الوطنية البريطانية بوحشية مع الموظفين الذين قاموا بتسريب بعض المعلومات عن الأخطاء التي تقع داخل المؤسسة، رغم أنهم كانوا يمثلون عونا في بعض الأحيان لضمان مستوى السلامة داخل المؤسسة؟”.
 
وأضاف “جاء الرد أن المؤسسات الكبيرة لا تستطيع الإبقاء على الموظفين الواشين الذين يتجسسون على زملائهم ويخاطرون بسمعة المؤسسة ككل. تبدأ المؤسسات الكبيرة بالانهيار إذا احتفظت بموظفين ناقلين للأسرار أو غير منصاعين للأوامر. ما يهم هو تحقيق الهدف الأساسي للمؤسسة وليس الزبون”.
 
لذلك يجب أن نتقبل وجود النوعين من مستوى الخدمة الشخصية وغير الشخصية، وأن ندفع المزيد إذا أردنا الحصول على خدمة شخصية.
 
وكم هو مثير للغضب أن تجد مثلا أنك لا تلتقي إنسانا واحدا حينما تحجز غرفة في أحد فنادق المطار الرخيصة الثمن. اعتدنا أن نتلقى خدمات ممتازة من شركات الطيران وأن نتعامل مع موظفين ماهرين يوفرون لنا كل وسائل الراحة والسلامة.
 
أما في الوقت الحاضر يجب على المسافرين إدراك أن انخفاض الأسعار يعني انخفاض مستوى الخدمة، وعليهم أن يتوقعوا حدوث تأخيرات، وإلغاءات، ومقاعد الطائرة الضيقة، وعدم توافر وجبات الطعام على متن الطائرات، وتعرضهم للطرد من الطائرة أحيانا.
 
ويقول جينكينز “كنت في رحلة ذات مرة عائدا من أميركا اللاتينية إلى لشبونة بالبرتغال، وفجأة تم تغيير مسار الرحلة أثناء طيرانها إلى هامبورغ مباشرة بحجة أنه لا يوجد هناك أحد المسافرين المتجهين إلى لشبونة. أبديت اعتراضي بشدة على ما حدث ولكن لم يستجب أحد لصيحاتي الغاضبة. لم تكن تجربتي القاسية مختلفة كثيرا عن سائح تم إيداعه في فندق شبه مهجور، أو صاحب عقار للإيجار على موقع ‘إير بي إن بي’ يعود ليجد شقته مدمرة. إذا لم أدفع أكثر، لن أتلقى خدمة جيدة”.
 
وتذكر تلك الأحداث بالكتاب الشهير لأي أف شوماخر، المفكر الاقتصادي العالمي، الذي يقول فيه “كلُّ صغير جميل”، وهي نظرية أطلق عليها رؤية “الاقتصاد المعنيّ بالناس”.
 
وكان مفهوم الاقتصاد قديما مقتصرا على الشركات الضخمة والمصانع الكبرى. أما الآن تغير مفهوم الاقتصاد ليصبح معنيّا أكثر بالقطاع الأكبر حجما والمهتم بجودة الخدمات المقدَّمة للناس.
 
على سبيل المثال يتشكل 60 بالمئة من الاقتصاد البريطاني من المؤسسات الخدمية؛ كالخدمات المصرفية والترفيهية والصحة والتعليم.
 
ويقول جينكينز “رغم اجتياح الثورة الرقمية عالمنا، إلا أننا مازلنا نأمل في أن تكون الخدمة التي نتلقاها ‘شخصية’”.
 
ولكن كلما كبُر حجم الكيان مصدر الخدمة، كلما أصبح ذلك مستحيلا، بل وعوقبنا بطول فترة الانتظار إذا ما طالبنا بالتعامل مع موظف داخل تلك الشركة الكبيرة. ابحث عن الشركات الصغيرة باهظة التكاليف بعض الشيء إذا أردت أن تتلقى خدمة جيدة.
 
إذا قام الدكتور داو المسافر الذي تم سحله على متن طائرة يونايتد بحجز درجة رجال الأعمال منذ البداية، كانت رحلته لتكون أكثر راحة ومتعة.