أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    09-Mar-2018

• إنتحار أنيق ! .عصام قضماني *

 الراي-سجّلت كاميرات المراقبة في جسر عبدون ما يلي: شاب ثلاثيني إرتقى الجسر المؤدي الى عبدون، بيده علبة عصير مانجا , وباليد الأخرى هاتفه الخلوي، انتهى من شرب العصير , أجرى مكالمة هاتفية، كانت على الأرجح مع الرقم 911 ليبلغ عن حادثة الإنتحار، خلع سترته بهدوء وتوجه نحو حافة الجسر رافعا ذراعيه للأعلى وعيناه متجهتان نحو الإسفلت في أدنى الجسر وفي خلفية الصورة وادي عبدون ومجموعة الأبراج الجديدة في بوليفارد العبدلي . هم برمي رمى نفسه لكنه تراجع , هم مرة أخرى ثن تراجع، نظر حوله، العدد من المشاهدين غير كاف، عله ينتظر مجيء المزيد .

 
في المكان نفسه، كان ثمة متطوعون من المارة أوقفوا سياراتهم على حافة الطريق وبدأو بالصراخ عل القابع فوق الجسر يستجيب لنداءاتهم . ينظر اليهم ويلوح ويشير بيده .. كلا ..
 
لماذا يرتقي طالبو الإنتحار جسر عبدون ودائما في الاتجاه نفسه ليس نحو جبل الحسين بل نحو عبدون ، هذا سلوك لا يسلكه المنتحر المتردد، لكن يبدو أن الانتحار يعوزه جمهور بالضرورة .
 
أسباب الانتحار مهمة طبعاً. لكن لماذا يختار الناس العلو، وجسر عبدون أو بناية الداخلية قبل إغلاقها تحديداً؟ هل لذلك علاقة بالرغبة في الطيران. هل هو عامل نفسي لشعور بالدونية والنقص ؟. هذا الذي إرتقى أعلى الجسر وغرضه أن ينتحر , إنتظر طويلا قبل أن يقفز ولم يقفز , تراه ينتظر تجمهر الناس وعدسات الهواتف المحمولة وفي ذيل قائمة الموجودين من يرجوه أن لا ينتحر .الطريف أن كل الصور التي نقلت وجوه مشاريع الإنتحار ألتقطت لهم مع إبتسامة هل هذا مؤشر سعادة أم ما هو تفسير هذا المشهد المتناقض مع الحدث ؟.
 
بالنسبة للعرب وهي الصورة الأشمل هم شعوب متأخرة في قائمة مقياس السعادة , دعك من الظروف التي تمر بها الأمة , حروب ودماء وأوضاع إقتصادية صعبة وحريات مقيدة وطموحات مهزومة وأحلام متكسرة , دعك من كل هذا , يكفي سببا واحدا لمثل هذا الترتيب , وهو « الكراهية « نعم ربما يكون كل هذا قد أنتج مجتمعا للكراهية , يستيقظ أحدنا من النوم , كارها يومه يمقط صورته في المرآة ويتهيأ لأقبح صورة , هو يبدأ بكراهية نفسه ويلعن الظروف التي يعيشها لكنه في نهاية اليوم لا يفعل شيئا لتغيير هذه الظروف . لا يعرف أو لا يريد أن يستنهض كوامن السعادة في نفسه ولا يريد أن يبحث عنها ولا يريد أن يهيئ لها الأسباب فيستسلم لها صاغرا ضائعا فيقرر أن ينتحر ولو كان ذلك صوريا , هنا بداية التغيير , عتبة الإنتحار .
 
ليس في عمان صخرة الروشة كما في بيروت . هذه التلة الأنيقة للإنتحار كما كانت تظهر في أفلام السبعينيات , هنا جسر عبدون , من يريد أن ينتحر لا يحتاج الى جماهير تحتفل بإنتحاره .
 
نحن شعوب تعيسة , هذا ظلم كبير , فالعرب رغم كل ما يحيط بهم يواجهون الشدائد بالنكتة وبالضحك , كل شيء يتحول الى سخرية حتى الألم والحزن والفقر والجوع والمعاناة والكآبة , ماذا تتوقع لمواطن عربي يستيقظ وينام على أخبار الحروب والدمار والذبح، قطع رؤوس هنا وحرق هناك وإعدامات على الطرق وصور لمذابح ودماء وبيوت مهدمة .
 
كان مصدر الألم والتعاسة الوحيد يأتي دائما من فلسطين , التي تقبع تحت نير إحتلال هو الأشد قسوة وعنفا على مر التاريخ , فلسطين لم تعد فريدة في ذلك فثمة منافسون جدد في سوريا والعراق وليبيا واليمن وغيرها، كل الأخبار السيئة هي مصدر إلهام لإستدعاء التعاسة، فكيف لا تأتي الشعوب العربية في ذيل قائمة التعساء .
 
في الغرب ينتحرون من فرط السعادة لأنهم بلغوا المنتهى ولا شيء جديداً يضاف الى حياتهم السعيدة شبعوا وإمتلأوا سعادة.
 
ألا ليت في عمان « صخرة الروشة» حتى يكون الإنتحار أنيقا .