أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    11-Apr-2021

التعافي الاقتصادي بمساراته المتباعدة

 الغد-غيتا غوبيناث

 
ها هو عام قد مر على بداية جائحة “كوفيد 19” وما يزال المجتمع العالمي يواجه ضغطا اجتماعيا واقتصاديا هائلا مع ارتفاع الخسائر البشرية وبقاء الملايين دون عمل. ومع ذلك، وحتى في ظل عدم اليقين الكبير الذي يخيم على مسار الجائحة، فإن بشائر الخروج من هذه الأزمة الصحية والاقتصادية تزداد وضوحا يوما بعد آخر. وبفضل براعة المجتمع العلمي، يجري الآن تطعيم مئات الملايين لإطلاق قوة التعافي في كثير من البلدان في أواخر هذا العام.
كذلك تواصل الاقتصادات التكيف مع طرق عمل جديدة رغم حرية التنقل التي ضاق نطاقها، الأمر الذي حقق انتعاشا أقوى من المتوقع في المناطق المختلفة. وبفضل الدعم الإضافي من المالية العامة في بعض الاقتصادات الكبيرة، وخاصة في الولايات المتحدة، حدث مزيد من التحسن في الآفاق المتوقعة.
ونتوقع الآن أن يحقق الاقتصاد العالمي تعافيا أقوى مقارنةً بتنبؤاتنا السابقة في كانون الثاني (يناير)، إذ يتوقع أن يبلغ النمو 6 % في العام 2021 (بزيادة قدرها 0,5 نقطة مئوية) و4,4 % في العام 2022 (بزيادة قدرها 0,2 نقطة مئوية)، بعد انكماش تاريخي بلغ -3,3 % في العام 2020. غير أن المستقبل يحمل تحديات جساما، فالجائحة لم يتم دحرها بعد، والإصابات بالفيروس آخذة في التسارع في كثير من البلدان. أما مسارات التعافي فهي متباعدة على نحو خطير عبر البلدان وداخلها، حيث التقدم أقل في الاقتصادات الأبطأ في نشر اللقاح، والتي تمتلك حيزا ضيقا للتصرف من خلال السياسات، وتلك الأكثر اعتمادا على السياحة.
والسبب الرئيسي وراء رفع التوقعات السابقة للنمو العالمي في العامين 2021 و2022 يكمن في رفع التوقعات للاقتصادات المتقدمة، ولا سيما الرفع الكبير لتوقعات الولايات المتحدة (1,3 نقطة مئوية) التي يتوقع لها تحقيق نمو قدره 6,4 % هذا العام. وبهذا تصبح الولايات المتحدة الاقتصاد الكبير الوحيد الذي يتوقع أن يتجاوز مستوى إجمالي الناتج المحلي الذي حددته التنبؤات للعام 2022 في غياب هذه الجائحة. وستشهد اقتصادات متقدمة أخرى، ومنها منطقة اليورو، انتعاشة هذا العام ولكن بوتيرة أبطأ. وبين الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، يتوقع للصين أن تحقق نموا قدره 8,4 % هذا العام. وفي حين أن الاقتصاد الصيني عاد بالفعل إلى إجمالي الناتج المحلي السابق على الجائحة في العام 2020، فإن كثيرا من البلدان الأخرى لا يتوقع لها أن تحقق هذه النتيجة قبل العام 2023.
ومن المرجح أن تخلق مسارات التعافي المتباينة فجوات أوسع كثيرا في المستويات المعيشية بين البلدان مقارنة بالتوقعات السابقة على الجائحة. فمن المتوقع أن يبلغ متوسط الخسارة السنوية في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في الفترة 2020-2024، مقارنة بتنبؤات ما قبل الجائحة،
5,7 % في البلدان منخفضة الدخل و4,7 % في الأسواق الصاعدة، بينما يتوقع أن تكون الخسائر أقل في الاقتصادات المتقدمة، حيث تبلغ 2,3 %. وتتسبب هذه الخسائر في ضياع المكاسب التي تحققت في الحد من الفقر، حيث يتوقع سقوط 95 مليون نسمة آخرين في براثن الفقر المدقع في العام 2020، مقارنة بتوقعات ما قبل الجائحة.
ويظهر التعافي المتباين داخل البلد الواحد أيضا، حيث تظل العمالة الشابة والأقل مهارة أكثر تضررا من الأزمة. كذلك شهدت النساء المزيد من المعاناة وخاصة في الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. ولأن الأزمة أدت إلى تسارع قوى التغيير الممثلة في الرقمنة والأتمتة، فكثير من الوظائف التي فُقدت لا يرجح أن تعود، ما يتطلب إعادة توزيع العمالة عبر القطاعات -وهو ما يحمل معه في الغالب تقليصا حادا للدخول.
وقد أمكن الحيلولة دون نتائج أسوأ بكثير، بفضل سرعة تحرك السياسات عالميا، بما في ذلك الدعم المالي الذي بلغ 16 تريليون دولار. وتشير تقديراتنا إلى أن الانهيار الحاد في العام الماضي كان يمكن أن يكون أسوأ بثلاثة أضعاف لولا هذا الدعم.
ونظرا لأنه قد تم تجنب وقوع أزمة مالية، فمن المتوقع أن تكون خسائر المدى المتوسط أقل من الخسائر التي أعقبت الأزمة المالية العالمية للعام 2008، بنسبة تبلغ حوالي 3 %. غير أنه على خلاف ما حدث بعد أزمة 2008، فإن الأسواق الصاعدة والبلدان منخفضة الدخل هي التي يتوقع أن تعاني من ندوب أكبر نظرا لامتلاكها حيزا أضيق للتصرف من خلال السياسات. غير أن توقعاتنا يخيم عليها قدر كبير من عدم اليقين. ومن شأن تسريع التقدم في عمليات التطعيم أن يؤدي إلى رفع التنبؤات، ولكن استمرار الجائحة لفترة أطول مع وجود سلالات جديدة متحورة من الفيروس قادرة على تجنب تأثير اللقاح يمكن أن يتسبب في خفض حاد للتوقعات. وحالات التعافي التي تتقدم بسرعات متعددة يمكن أن تنشئ مخاطر مالية إذا ارتفعت أسعار الفائدة في الولايات المتحدة بطرق غير متوقعة. ومن شأن هذا أن يتسبب في انهيار غير منظم لتقييمات الأصول المتضخمة، وتشديد الأوضاع المالية بدرجة حادة، علاوة على تدهور احتمالات التعافي، وخاصة بالنسبة لبعض الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية التي تعتمد على الرفع المالي الفائق.
ويحتاج صناع السياسات إلى مواصلة دعم اقتصاداتهم بينما يواجهون حيزا أضيق للتصرف من خلال السياسات ومستويات مديونية أعلى مقارنة بما قبل الجائحة. ويتطلب هذا اتخاذ تدابير أفضل في الاستهداف بغية ترك مجال للدعم المطول إذا دعت الحاجة إليه. ومع حالات التعافي التي تتقدم بسرعات متعددة، يصبح من الضروري اتباع منهج يتلاءم مع كل حالة على حدة، حيث يتم ضبط السياسات جيدا حسب مرحلة الجائحة وقوة التعافي الاقتصادي والخصائص الهيكلية لكل بلد.
لقد شهدنا على مدار العام الماضي العديد من الابتكارات المهمة في السياسة الاقتصادية وقمنا بزيادة الدعم بصورة مكثفة على المستوى الوطني، ولا سيما بين الاقتصادات المتقدمة التي تمتلك السعة المالية اللازمة لهذه المبادرات. والآن، هناك حاجة لجهد طموح آخر على المستوى متعدد الأطراف لتأمين التعافي والبناء من أجل مستقبل أفضل. وبغير جهود إضافية لإعطاء الجميع فرصة عادلة، يمكن أن يحدث اتساع كبير في فجوات المستويات المعيشية بين البلدان وتضيع عقود من التقدم نحو تخفيض الفقر العالمي.
 
*المستشار الاقتصادي ومدير إدارة البحوث بصندوق النقد الدولي. وهي في إجازة للخدمة العامة من إدارة الاقتصاد في جامعة هارفارد؛ حيث تشغل كرسي أستاذية “جون زوانسترا” في الدراسات الدولية والاقتصاد.