وكانت الرياض أعلنت في ديسمبر/كانون الأول الماضي عن خطة لإنهاء العجز بحلول عام 2020، لينخفض من 79 مليار دولار (ما يعادل 12.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي) في 2016، عن طريق خطوات مثل رفع أسعار الطاقة المحلية وزيادات ضريبية. وهدأت الخطة مخاوف المستثمرين بشأن الاستقرار المالي للسعودية وخففت الضغط عن العملة.

لكن في الأسابيع القليلة الماضية أصبح واضحا من واقع الإحصاءات الرسمية أن هدف 2020 مغرق في التفاؤل، حسبما يقول خبراء اقتصاديون. فقد دفعت إجراءات التقشف الاقتصاد إلى الركود في ظل انكماش الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني على التوالي في الفترة من أبريل/نيسان إلى يونيو/حزيران.

ويهدد التباطؤ الإصلاحات الاقتصادية الطموحة التي أعلنها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي يريد تعزيز نمو القطاع الخاص وتطوير الصناعات غير النفطية. ولهذا أرجأت الحكومة اتخاذ المزيد من إجراءات التقشف التي قد تضر بالشركات أو المستهلكين.

وتعيد الرياض النظر في سرعة فرض التقشف لتفادي دفع البطالة إلى الارتفاع، حسبما ذكر «صندوق النقد الدولي» هذا الشهر. كان وزير المالية محمد الجدعان أبلغ تلفزيون بلومبرغ في واشنطن الأسبوع الماضي أن الحكومة لن تتعجل المزيد من الزيادات في أسعار الطاقة المحلية.

وقد تكون النتيجة، حسب خبراء اقتصاديين في المنطقة، تركيزا جديدا على جمع الأموال من بيع حصة في «أرامكو» أو برامج أخرى للخصخصة إلى أن يتعافى الاقتصاد بما يكفي للسماح للرياض بالمضي قدما بأقصى سرعة في التقشف.

وقالت مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين لدى «بنك أبوظبي التجاري»، ان «لإجراءات التقشف أثر تراكمي على الزخم الاقتصادي — كل مرحلة تصبح أشد صعوبة.. إذا ظل النفط عند 50 إلى 60 دولارا للبرميل فإننا نتوقع أن يستمر العجز لفترة طويلة بعد 2020».

وتواجه الحكومة معضلة الدجاجة والبيضة: فهي بحاجة لإنفاق المزيد لتعزيز النمو، لكن تدبير المزيد من الأموال للإنفاق صعب عندما يكون النمو منخفضا. وتقول مالك ان برنامج الخصخصة بتوفيره عشرات المليارات من الدولارات من الخارج قد يكون المخرج من تلك المعضلة.

وكانت مصادر قد أفادت هذا الشهر أن الصين تعرض شراء ما يصل إلى خمسة في المئة في «أرامكو» مباشرة. وقالت مجموعة «أوراسيا» الاستشارية لتقييم المخاطر ان الرياض ستجد أن من المغري قبول مثل هذا العرض قبل إجراء طرح عام وإدراج عالمي لأسهم «أرامكو»، قد يحدث أواخر 2018 أو في 2019.

وقالت أيضا «ضخ السيولة بشكل فوري عن طريق طرح خاص قد يكون أشد إغراء من أن يُقابَل بالرفض».

وقال متحدث باسم أرامكو إن عددا من خيارات الإدراج العام ما زال قيد المراجعة. واضاف قائلا دون إسهاب «لم يصدر قرار وعملية الطرح العام الأولي ما زالت تمضي قدما.» ويتوقع اقتصاديون كثيرون أن تحقق الحكومة هدفها لعجز قدره 53 مليار دولار أو نحو ثمانية في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، مدعومة بارتفاع أسعار النفط. لكنهم يقولون إن انكماش الفجوة أكثر سيكون عملية بطيئة ومؤلمة.

وخطوة تقشف واحدة، كفرض ضريبة للقيمة المضافة قدرها خمسة في المئة، من المرجح فيما يبدو أن تمضي قدما في يناير/كانون الثاني. وقال مسؤول في «صندوق النقد الدولي» ان الاستعدادات الرسمية لها تسير على ما يرام. وتشير تقديرات الصندوق إلى أن ضريبة القيمة المضافة قد تدر للدولة إيرادات بنحو 13 مليار دولار سنويا.

لكن ضريبة القيمة المضافة ستثقل كاهل الاقتصاد بشدة، وبما يعادل نحو اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. فنمو القطاع غير النفطي في الاقتصاد تراجع بالفعل إلى الصفر تقريبا، مما يعني أن الرياض قد لا تجد مجالا يذكر لمزيد من التقشف على مدى الاثني عشر شهرا المقبلة، أو قد تضطر على الأقل إلى تخفيف خطواتها.

ويقول الاقتصاديون ان هذا قد يجعل الخصخصة الرهان الأفضل للرياض، لجمع المزيد من الأمول من أجل إعادة استثمارها في نمو الاقتصاد. 

ويقول مسؤولون سعوديون ان مبيعات الأصول الحكومية غير النفطية، من المستشفيات والمرافق التعليمية إلى المطارات وخدمة البريد، قد تجلب في نهاية المطاف 200 مليار دولار. لكن عقبات قانونية وبيروقراطية تكبح عملية بيع تلك الأصول، ولهذا فإن «أرامكو» من المرجح أن تكون أول مصدر كبير للسيولة.

وعلى أساس التقييم البالغ 2 تريليون دولار الذي يتوقعه المسؤولون السعوديون لـ»أرامكو»، فإن بيع حصة خمسة في المئة قد يدر 100 مليار دولار. ويتوقع معظم المحللين المستقلين تقييما أقل بكثير لكن الحكومة قد تجني رغم ذلك 50 مليار دولار أو أكثر.

وقالت حليمة كروفت، المديرة العالمية لإستراتيجية السلع الأولية لدى «آر.بي.سي» لأسواق المال، أنه فيما عدا زيادة ديونها الأجنبية – وهو تصور غير مريح لمسؤولين سعوديين كثيرين – فليس أمام الرياض خيارات كثيرة لتدبير المزيد من الأموال.

وأضافت قائلة «الخيارات المتاحة – عدا المزيد من الاقتراض – تشمل إجراءات تقشف إضافية، ونهجا أنشط لرفع أسعار النفط. الخيار الأول غير شعبي لدى شرائح واسعة من السكان، والثاني من الصعب المحافظة عليه بسبب دورة منتجي النفط الأمريكيين القصيرة».

«وتابعت القول «أعتقد أنهم ما زالوا يريدون بوضوح المضي قدما في إدراج عالمي (لأرامكو) لكن اللجوء أولا إلى طرح خاص يبدو أنه الطريق الوحيد الواضح لتوليد دخل في المدى القريب».