أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    30-Dec-2018

ترشيد الاستهلاك: ضرورة وطنية*د. محمد طالب عبيدات

 الدستور-ترشيد الاستهلاك بشكل عام يكون من خلال استخدام الموارد المتاحة بالشكل الأمثل وبكفاءة عالية، ومن خلال الاعتماد على تقنياتٍ وإجراءاتٍ محدّدةٍ وبتفكير عقلاني دون إلحاق الأذى بإنتاجية الأفراد وراحتهم، حيث إنّ الترشيد في استهلاك هذه الموارد لا يعني منع استخدامها، بل استخدامها بكفاءةٍ عاليةٍ للحدّ من إسرافها أو هدرها، فلا يتجاوز الحد إسرافاً أو تقتيراً بالمعنى الوسطي أو الإعتدالي، والمصيبة أن الكثير ينعتون الترشيد تقتيراً يؤول للنعت بالبخل لصاحبه، ويُنعت الإسراف والتبذير بالكرم رغم مخالفته للإطار العام الترشيدي، والمصيبة الأكثر أنه مع وسائل التواصل الإجتماعي ونشر الولائم من خلالها بدأ ينتشر مجتمع الكراهية والحسد والضغينة بين الناس بسبب نقص روحية عطائهم وعدم تصدّقهم وشوفينيتهم وإستعراضاتهم وكبريائهم.

فالأديان والتربية والمنابر التعليمية والدينية والتربوية والشبابية والإعلامية والأسرية جُلّها لها أدوار مؤثّرة جداً في نشر ثقافة الترشيد والحد من الأنماط الإستهلاكية المتزايدة وذلك من خلال التوعية والتنوير والتأثير على الشباب والأجيال كافة ليكون ذلك سلوكاً قويماً لديهم، وربما المرأة هي أساس عملية ترشيد الإستهلاك لما لها من دور إيجابي في كل العملية، وللإعلام دور كبير جداً في كثير من مفاصل الترشيد ونشر ثقافة الوسطية ونبذ التطرّف في هذا المجال سواء في نشر الثقافات وآليات الترشيد وكفاءة الإستهلاك وتعزيز دولة الإنتاجية والإستراتيجيات الناظمة لذلك وغيرها، ويكون ذلك من خلال الإعلام الترشيدي و المصداقية والدقّة الإعلامية و مشاركة المواطن للرسائل الإعلامية وإبراز إستراتيجيات الدولة للترشيد وإبراز دور منظمات المجتمع المدني وعرض أفكار التطوير والتغيير وإبراز إعلام الخدمة العامة ودولة الإنتاج والمسؤولية المجتمعية وثقافة الجودة وكبح جماح مجتمع الكراهية.
وثقافة الإستهلاك ظاهرة إقتصادية واجتماعية عالمية كنتيجة لثقافة العولمة، والحرب الإعلامية الباردة مستمرة بين ثقافتي الإستهلاك والترشيد، وهنالك عاملان أساسيان يدفعان المستهلكين الى شراء سلعة معينة والتنافس بينهما: الإعلان والحاجة للسلعة، وللتربية والإعلام والتعليم والثقافة الدينية دور كبير في ضبط سلوكيات الشباب في المدارس والجامعات الإسرافية من حيث التفاخر والإستعراض واللامبالاة وعدم الإستجابة لمبادرات حملات التوعية والهدر بسبب مجانية الموارد والخلط بين الكرم والإسراف، ويحتاج شباب اليوم لمزيد من التوعية في هذا المجال.
 كما أنه من تجليات الوسطية بأن للإعلام أهمية في نشر قيم الوسطية ومحاصرة التطرف، وخطورته في نشر فكر السلبية والغلو، وهنالك دور لإستثمار الإعلام الجديد في إستقطاب وإغراء الشباب أو حمايتهم من السقوط كضحايا كنتيجة للأفكار والقيم السلبية.
وبالطبع نحن في الأردن نحتاج التركيز على المشاريع التنموية الصغيرة والمتوسطة والتي تفتح آفاق فرص العمل والتشغيل والإستثمار وتساهم في القضاء على بؤر الفقر والبطالة بأشكالها المختلفة، وخلق ثقافة الإستهلاك بطابع أخلاقي وإجتماعي لدعم الشركات التي تتبنّى جانب المسؤوليات المجتمعية والتي لا تضر بالإنسان أو الحيوان أو البيئة، ونحتاج لدعم الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني والجهات الفاعلة والداعمة لمشاريع الترشيد كالمدارس والجامعات والأسر والمنابر الدينية والإعلامية والشبابية والجندرية وغيرها لتبنّي علاقة تشاركية وتكاملية لا فزعوية بينها وبين وسائل الإعلام المختلفة وفق إستراتيجية مبنية على تأسيس نمطية لسلوك إستهلاكي رشيد لتجاوز التحديات الإقتصادية بعيدة ومتوسطة المدى لا الآنية فحسب.
كما نحتاج إبراز البرامج الحكومية والحوافز التشجيعية لخفض زيادة الاستهلاك والإسراف ودور النشطاء والمبادرات المحلية في إظهار الآثار البيئية لذلك، والتركيز على مصلحة الاقتصاد الوطني من خلال حُسن إدارة القرارات الاستهلاكية على مستوى الفرد والدولة معاً، وتشخيص الوضع الراهن إقتصادياً وسياسياً وإجتماعياً وإتصالياً من خلال خبراء في المجالات كافة، وطرح أليات الترشيد والثقافة الوسطية وربطها بالمصالح المشتركة بين المستهلك والدولة والإعلام وغيرها، وتوجيه الرأي العام والإستباقية في نشر المعلومات غير المضللة والتبصيرية الملائمة في الوقت والظرف المحدد، وضرورة الترشيد في هذه الظروف والتحديات الإقتصادية الصعبة.
ونحتاج لأن تكون الحكومات نماذج مثلى أمام المواطنين لترشيد الإستهلاك في كل شيء بدءاً من النفقات الجارية ووصولاً للنفقات الرأسمالية والأوامر التغييرية وغيرها، وبالطبع هذا الترشيد إلى جانب العدالة الإجتماعية ومكافحة قضايا الفساد سيعزز الثقة بين الحكومات والمواطنين وسيجسّر هذه الثقة التي يسعى الجميع لتكون بأفضل حال خدمة للوطن والمواطن وسعياً لأمن مجتمعي يشار له بالبنان.
بصراحة، المواطن والحكومة معاً يجب أن يُساهما في ترشيد الإستهلاك وشدّ الأحزمة في هذه الظروف الإقتصادية الصعبة، فكم من وسائل الهدر التي نلحظها هنا وهناك في المشاريع والأوامر التغييرية والأنماط الإستهلاكية السلوكية وغيرها، والمطلوب التأسيس لسلوك عقلاني ورشيد، ومطلوب المساهمة في توجيه المواطنين صوب المشاركة في سياسات النمو الاقتصادي السليم القائم على الإنتاج والاستثمار والادخار والوسطية وترشيد الاستهلاك، وفقاً لرؤى جلالة الملك المعزز في تعزيز ثقافة دولة الإنتاج ودولة القانون ودولة التكافل.