أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    20-Jul-2019

شجعان حتى يحين الخطر.. متى يتحول أسد سوق الأسهم إلى نعامة؟
أرقام - في ثلاثينيات القرن الماضي، وتحديداً في عام 1938 نشر الكاتب الأمريكي الشهير "جيمس ثوربر" أحد أشهر أعماله على الإطلاق، وهي قصة قصيرة ولكن ظريفة جداً بعنوان "الحياة السرية لوالتر ميتي"، وهي القصة التي تم تحويلها لاحقاً إلى أكثر من فيلم.
 
بطل هذه القصة كما هو واضح من العنوان هو شخص يسمى "والتر ميتي"، وهو رجل لطيف ووديع يخاف ويرتعب من زوجته المتجبرة سليطة اللسان. في حضورها يفكر "ميتي" ألف مرة قبل أن ينبس ببنت شفة ولا يحاول حتى أن يفكر بينه وبين نفسه في أي شيء قد يغضبها.
 
ولكن بمجرد أن تغيب عن ناظريه، يغلق "ميتي" عينيه ويهرب إلى سلسلة من أحلام اليقظة التي يرى فيها نفسه بطلاً شجاعاً. فمرة يرى نفسه قائداً لطائرة مقاتلة تابعة للبحرية الأمريكية، ومرة أخرى يحلم بنفسه جراحاً يجري عملية جراحية معقدة. ويظل ينتقل من حلم إلى آخر إلى أن تأتي زوجته وتوقظه بكفيها "الرقيقتين" ليعود مرة أخرى إلى الواقع الذي يختفي فيه وراء ظلها.
 
 
يقول "دين جي برويت" أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة "بافالو" الأمريكية إن أكثر مستثمري سوق الأسهم يشبهون إلى حد كبير هذا الزوج مهيض الجناح، وهو ما دفعه إلى استحداث المصطلح الذي أطلق عليه اسم "تأثير والتر ميتي".
 
 
بطل شجاع أم خائف جبان؟
 
 
ببساطة، إذا حاولت سؤال المشاركين في سوق الأسهم عن مدى استعدادهم لتحمل المخاطر ستجد أن أغلبهم إما يرى نفسه بطلاً شجاعاً راغباً في المخاطرة مقبلاً عليها لا يأبه لتباعاتها إذا كان السوق يأخذ اتجاها صعوديا، وإما نافراً منها متجنباً إياها كرجل يخشى لسان زوجته السليط وكفيها الثقيلتين إذا تعرض السوق لهزة أو ظهرت ملامح اتجاه هبوطي في الأفق.
 
 
هذا الوضع المربك يشكل تحديا كبيرا جداً لمديري الاستثمار والمحافظ المالية أثناء محاولتهم تحديد مدى استعداد عملائهم من المستثمرين الأفراد لتحمل المخاطرة. فعادة يتم قياس مدى استعداد العميل للمخاطرة من خلال سلسلة من المقابلات والاستبيانات التي يتم فيها سؤاله عن شعوره كمستثمر تجاه محفظته في حال وقوع سيناريوهات مختلفة.
 
على سبيل المثال، يسأل مدير الاستثمار العميل عن شعوره في حال انخفض سوق الأسهم وتراجعت قيمة محفظته من الأسهم بنحو 10%. ومن خلال إجابته عن هذا السيناريو وسيناريوهات أخرى يقوم مدير الاستثمار ببناء محفظة من المفترض أنها تناسب تماماً "بيان سياسة الاستثمار" الذي تم بناؤه وفقاً لإجابات العميل.
 
ولكن توجد مشكلة، وهي لا تتعلق بعدد السيناريوهات المطروحة التي يتم سؤال العميل عن ردة فعله المحتملة عليها، بقدر ما تتعلق بحقيقة أن تقديرات العميل لقدرته على تحمل مخاطر هذه السيناريوهات خاطئة في أكثر الأحيان، بسبب تأثرها الواضح بالحالة العاطفية والشعورية للعميل لحظة سؤاله.
 
 
السر يكمن في الشخصية
 
 
في كتابه الصادر في عام 2001 تحت عنوان "بافيت الجوهري" أشار المستثمر الأمريكي "روبرت هاجستروم" إلى أن تحديد القدرة على تحمل المخاطر يجب أن تعتمد على دراسة شخصية الفرد بدلاً من سؤاله بشكل مباشر عن ردود فعله المحتملة على السيناريوهات المختلفة.
 
 
وفي سعيه لقياس مدى تقبل المستثمر للمخاطر بدقة أكبر اكتشف "هاجستروم" أن تقبل المخاطر أو التسامح معها (Risk tolerance) يرتبط بشكل أساسي بعاملين ديموغرافيين هما: العمر والجنس. حيث وجد أن كبار السن أكثر حذراً من الشباب وأن النساء أقل إقبالاً على المخاطرة مقارنة بالرجال. كما اكتشف أيضاً أن حجم الأموال التي يمتلكها الشخص لا يؤثر على مدى تقبله للمخاطرة.
 
في الوقت نفسه توضح أبحاث نفسية أخرى أن مدى تقبل المستثمر للمخاطر يعتمد بشكل كبير على ما إذا كان يعتقد أن النجاح في سوق الأسهم يعتمد على المهارة أم الحظ. ففي أغلب الأحيان يميل الناس إلى اختيار خيارات استثمارية تترواح مخاطرها من المعتدلة إلى العالية إذا كانوا يعتقدون أن الأمر يعتمد على المهارة.
 
 
أما إذا كانوا يعتقدون أن النتيجة محكومة إلى حد كبير بالحظ والصدفة فسيميلون إلى خيارات استثمارية أكثر تحفظاً من ناحية المخاطرة.
 
 
هناك نقطة أخرى مهمة جداً، وهي أن سرعة تحول المستثمر من بطل شجاع لا يخشى المخاطرة إلى شخص خائف لا يرغب فيها ترتبط إلى حد كبير بعدم فهمه لطبيعة ما يجري حوله، وفشله في إدراك أسباب صعود أو هبوط السوق، وهو ما يمكن عزوه إلى عدم قدرته على التفرقة بين المعلومات الحقيقية والضوضاء.
 
 
ضحايا الضوضاء
 
 
في هذا الكون الواسع، ربما لا يوجد شيء أكثر تعقيداً من العقل البشري، وربما لا يوجد أيضاً شيء أكثر فوضوية من تصرفات البشر. ففي أغلب الأحيان نعتقد أننا نستثمر في سوق الأسهم في حين أن ما نقوم به في الحقيقة هو المضاربة.
 
 
كل منا يدعي أنه يمتلك استراتيجيته وخطته الاستثمارية الخاصة، ولكن بمجرد أن نقرأ خبراً واحداً في موقع أو صحيفة نقرر في لحظة تجاهل خططنا واستراتيجياتنا ونضرب بها عرض الحائط ونسارع إلى تقليد الآخرين والقيام بما يقومون به. يقتلنا الشك ونبدأ في سؤال أنفسنا: ماذا لو كانوا على حق؟
 
في بيئة مثل سوق الأسهم ومع وجود الكثير من الشائعات والحسابات الخاطئة والمعلومات السيئة التي يصعب تمييزها عن المعلومات الحقيقية تظهر ما أطلق عليها أستاذ العلوم المالية بجامعة شيكاغو "فيشر بلاك" "الضوضاء".
 
 
في خطابه الشهير الذي ألقاه أمام أعضاء جمعية التمويل الأمريكية في عام 1986 الذي جاء تحت عنوان "الضوضاء" تحدى "بلاك" الأطروحة السائدة في ذلك الوقت التي تشير إلى أن أسعار الأسهم عقلانية.
 
 
في ذلك الخطاب وضح "بلاك" أن أسعار الأسهم لا يمكن أن تكون عقلانية إلا إذا كانت المعلومات الرائجة في السوق صحيحة، ولكن الواقع هو أن معظم ما يسمعه المشاركون في السوق ما هو إلا ضوضاء لا تؤدي إلى أي شيء سوى ارتباك المستثمرين والذي يزيد بدوره من مستوى الضوضاء.
 
 
أكد "بلاك" أن هذه الضوضاء هي ما يجعل أغلب الاستنتاجات التي يصل إليها المستثمرون غير صحيحة، وذلك لأنهم يولون اهتماماً مبالغاً فيه للأسعار المتأثرة بالضوضاء أثناء محاولتهم اتخاذ قراراتهم الاستثمارية.
 
 
 
 
 
السؤال الآن: كيف يتلافى المستثمر تأثير الضوضاء في السوق؟ بعبارة أخرى.. كيف يمكن للمستثمر التأكد مما إذا كان سعر السهم هو نتاج الضوضاء أم يعكس بشكل حقيقي أساسيات السهم؟
 
 
لو كانت هناك إجابة مباشرة وواضحة لهذا السؤال فهي أنه يجب على المستثمر معرفة ودراسة أساسيات الشركة لكي يتمكن من تحديد ما إذا كان السعر المتداول أقل أم أعلى من القيمة الجوهرية للسهم. ولكن في النهاية يبقى القول أسهل من الفعل، فقليلون هم من يمتلكون رباطة الجأش التي تمكنهم من السيطرة على عواطفهم وعدم الانسياق وراء الرائج في السوق بشكل أعمى.