أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    20-Dec-2018

ماذا يعني التأخر في إعلان أرقام الفقر؟

 الغد-أحمد أبو خليل

لا يمكن إحصاء عدد المرات التي وردت فيها الإشارة إلى أن أرقام الفقر في الأردن قديمة وتعود إلى عام 2010، لقد تحولت هذه الفكرة إلى ما يشبه اللازمة في خطاب الفقر على كل المستويات: في خطاب الحكومة الرسمي وفي نقاشات مجلس النواب وفي التقارير الصحفية والأخبار التي يتم تداولها محليا وخارجيا، وفي الأبحاث التي يجريها الباحثون في الجامعات، وفي مجمل الدراسات التي أعدت خلال السنوات الماضية، وغير ذلك.
رغم أن هناك أكثر من تأكيد على قرب الإفصاح عن أرقام حديثة، غير أن هناك أضرارا تحققت لغاية الآن بالفعل، وسوف تترك أثرا على نقاش القضية وعلى مصداقية الخطاب الرسمي.
في الواقع علينا أن نتذكر أن الأردن من أول الدول على مستوى العالم الثالث، التي اعترفت بالفقر في الخطاب التنموي وأدخلته في الأرقام الكلية للاقتصاد الوطني، وقد شكل ذلك ميزة مقارنة أعطت قدرا من الثقة وطنيا ودوليا، فقد وفرت دراسات الفقر للمخطط وصاحب القرار المعلومات اللازمة، التي قُدمت أيضا للجهات الدولية المكلفة بإعداد الجداول والمؤشرات المقارنة على مستوى العالم.
إن الحكومة غامرت بهذه الصورة الإيجابية التي تشكلت عبر الزمن، ووفرت سمعة ممتازة لدائرة الإحصاءات العامة الأردنية التي أصبحت خبرتها مرجعا موثوقا، ولكنها بارتباكها وتأخرها في تحديث الأرقام والبيانات، ثم في امتناعها عن الإعلان عن أرقام منجزة، تفتح المجال أمام تهمة تسييس الرقم.
 
 
 
تعود دراسات الفقر في الأردن إلى منتصف ثمانينات القرن الماضي، والملاحظ أن الاهتمام بقضية الفقر جاء حينها بمبادرة وطنية محلية، فإلى ذلك الحين لم يكن البنك الدولي قد دخل ميدان دراسات الفقر، ولم يكن قد وضعها ضمن اهتماماته، وكانت القضية حينها مطروحة كشأن اجتماعي محلي بالدرجة الأولى، ولذلك فإن الدراسة والعمل والمعاجلة وبرامج مكافحة الفقر الأولى كانت من مهمات وزارة التنمية الاجتماعية.
تخبط وتردد
ورغم قدم عهد دائرة الإحصاءات بمسوحات الدخل والإنفاق، إلا أنه منذ حوالي عقدين، أصبحت هذه المسوحات مرجعا رئيسيا لتقدير الفقر، وأخذت الدائرة تجري المسح بواقع مرة كل سنتين، وكان آخر تقدير للفقر صدر العام 2012 استنادا إلى بيانات العام 2010، ثم قامت الدائرة بإجراء المسح الجديد في العام 2012 وأنجز التحليل وأعلن عن قرب الإعلان عن النتائج في أواخر 2014، ولكن فجأة تقرر وقف الإعلان، وكان السبب المعلن آنذاك هو ان المنهجية لم تعد مناسبة! ومنذ ذلك الوقت بدأ التخبط، فقد اعلن حينا عن أن الدائرة ستعلن أرقاما ربعية للفقر (أربع مرات في السنة) سعيا لتحديث المعلومات، ولكنها عادت وأعلنت توقفها عن ذلك، ثم أعلن عن النية للاستغناء عن فكرة “جيوب الفقر” لصالح مفهوم المناطق ذات “الخصوصية التنموية”، وفي آب (اغسطس) من العام الماضي 2017 عادت الدئرة فأعلنت عن البدء بالمسح الذي سيتسمر لمدة عام كامل، وبالفعل أعلن عن الانتهاء وبدأت سلسلة وعود عن موعد إعلان النتائج، وفي مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي أعلن عن جزء محدود من نتائج المسح.
في هذه الأثناء كانت الحكومة تواصل عملها التنموي وتبني خططها وفقا للرقم العائد للعام 2010 وبلغ الأمر أن دخل طرفان حكوميان في خلاف علني أثناء نقاش الموازنة التي بنيت على رقم قديم ولم يكن بمقدورها الانتظار حتى تستكمل الإحصاءات عملها.
وفي نهاية عهدها، أعلنت الحكومة السابقة (حكومة الملقي) عن مشروع زيادة موازنة صندوق المعونة الوطنية وتوسيع عدد الأسر المستفيدة من الدعم، وواصلت الحكومة الحالية تبنيها للمشروع، وأعلنت الوزيرة أمام مجلس النواب عن المشروع الذي سيبدأ تنفيذه مطلع العام المقبل. غير أن الصندوق لن يجد كمرجع لحساباته فيما يتصل بنسبة الفقر وخط الفقر، سوى الرقم القديم، وسيبني تقديراته للمعونة بناء على هذا الرقم.
لقد أتاح هذا التخبط الفرصة لظهور أرقام وتقديرات هنا وهناك، حتى ان البنك الدولي أورد في بعض دراساته تقديراته الخاصة التي أدخلت الرأي العام في لغط كبير. ومن المؤسف أن هذا حصل بينما كان البنك الدولي في دراساته وتقييماته السابقة يعتمد على الأرقام التي توفرها دائرة الإحصاءات كجهة موثوقة، من دون اللجوء إلى تقديرات مبنية على خبرات البنك التي لا تنطبق بالضرورة على الحالة الأردنية.
ليس مجرد رقم
إن الرقم الإحصائي المتعلق بالفقر ليس مجرد رقم جاف، إنه العامل الأهم الذي يمكن صاحب القرار من الإبقاء على ظاهرة الفقر تحت بصره، إن الأردن لغاية هذه اللحظة نجا من مخاطر وقعت فيها دول عديدة في العالم الثالث، تتمثل في وجود مجاهل أو مجتمعات خاصة مغلقة إلى حد ما، لا يعرفها صاحب القرار، وتمتنع عن التعامل مع الأنظمة الوطنية بما فيها التعليم والصحة، وفي الواقع أن توفر الإحصاءات يعد عاملا مهما في هذا السياق، ومن المؤسف أن بعض المناطق أخذت تشكل انوية لمثل هذه الظواهر الخطيرة اجتماعياً. إن عشرات الأسر أخذت تلجأ إلى مناطق خاصة تقيم عليها مجتمعاتها العشوائية البعيدة وتنطوي على نفسها، وقد سجلت بعض التقارير الصحفية مثل هذه الظواهر حول العاصمة وفي داخلها في بعض الحالات. إن الظاهرة ما تزال مجرد أنوية محدودة يمكن التواصل معها ومعالجتها، ولكن في حالة “نضجت” هذه الظاهرة، فسيصبح من الصعب التواصل معها مجددا بعد أن تكون قد بنت آليات استقلال خاصة وعزلت نفسها.
إن مرور 8 سنوات يعد خللاً خطيرا، فضلا عن أن الثقة العامة بالبيانات والأرقام الحكومية تتراجع، بلك عندما يتأخر إلى مثل هذه المدة؟
على الحكومة ان لا تستهين بمخاطر الوضع الذي صنعته بيدها، فذلك سيضعف الثقة ويشكل انطباعا سلبياً عند الجمهور، وهو حكما سينعكس في كل ظهور للأردن في الأدبيات التنموية العالمية. إن البنك الدولي وفي آخر تقرير له صدر في منتصف تشرين الأول الماضي بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفقر، أورد علنا ملاحظته حول قدم الرقم، وقد وجدت ملاحظة البنك الدولي طريقها بسهولة إلى الإعلام المحلي، بدل أن يكون اتجاه المعلومة معكوسا أي من المحلي إلى الدولي.
يبدو أن الحكومة ستعلن فعلا رقما ما في الأيام المقبلة، لكن عليها أن تواجه الأثر السلبي الذي تحقق بالفعل، وأن تسعى إلى معالجته.