أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    11-Mar-2018

الخوف من «المناطق البحرية المميتة*وليد خدوري

 الحياة-نبّه العلماء ومراكز البحوث البحرية منذ النصف الثاني من القرن العشرين، إلى خطورة تزايد عدد «المناطق البحرية المميتة» وحجمها المكوّنة من نفايات زجاجات البلاستيك وألعاب الأطفال وأكياس النايلون وقطع السيارات، التي تُرمى في البحار والمحيطات من دون تدويرها أولاً، أو من النفايات في المجاري المفتوحة على البحار قبل معالجتها.

 
تشكل الصناعة البتروكيماوية المصنّعة البلاستيك والنايلون، ثاني أهم قطاع مستهلك للصناعة البترولية، بعد النقل والمواصلات. بدأت الصناعة البتروكيماوية في النصف الأول من القرن الماضي، لكن كان استعمالها في بادئ الأمر ومن ثم إنتاجها محدوداً جداً، ليرتفع الإنتاج في شكل واسع في النصف الثاني من القرن العشرين، مع ازدياد استهلاك المواد البلاستيكية والنايلون.
 
في مطلع عقد الخمسينات، استقر الإنتاج البتروكيماوي على نحو مليوني طن سنوياً في منتصف القرن، ليزداد إلى 380 مليون طن سنوياً خلال السنوات الأخيرة. لكن زيادة الإنتاج الضخمة لهذه المواد الاستهلاكية، لم يصاحبها اهتمام الصناعة اللازم بالطرق الواجب اعتمادها للتعامل مع هذه السلع، وكيفية التخلص منها بعد استهلاكها. إذ انصب الاهتمام بالإنتاج فقط. وتفيد المعلومات بأن 9 في المئة فقط من السلع تم تدويرها منذ عقد الخمسينات. بينما حُرق منها بنسبة 12 في المئة بعد رميها في النفايات، في حين دُفنت النسبة المتبقية الضخمة في مكبات النفايات.
 
لماذا تُثار هذه الأخطار اللاحقة بالبحار والمحيطات الآن؟ لقد ازداد عدد «المناطق البحرية المميتة» إلى نحو 500 أخيراً مقارنة بـ50 مطلع عقد الخمسينات. وتتكاثر صور النفايات البحرية المفزعة وتحديداً على وسائل التواصل الاجتماعي (فايسبوك وغيرها)، ما يُبرز الاهتمام والوعي الواسع لهذه الظاهرة لدى المجتمع المدني. كما يُغطّى الموضوع بكثافة في المجلات العلمية التابعة لمراكز البحوث البحرية والصحف والمجلات (الغارديان ويكلي والفايننشال تايمز والايكونومست). لقد توسع حجم بعض هذه «المناطق البحرية المميتة» أخيراً، لتبلغ مساحتها التي تطفو على سطح البحر ملايين الكيلومترات المربعة. ولا يخفى، أن النفايات التي تصل إلى قاع البحار تفوق مثيلتها الطافية على سطحها بنحو الضعف. وتتنوع الأخطار الناجمة عن «المناطق البحرية المميتة»، فهي تؤدي إلى انخفاض الأوكسجين الذي يفضي بدوره الى تقليص نمو الحيوانات البحرية، ويؤثر ذلك سلباً في توالدها وزيادة أمراضها. وتنتشر أخطار التلوث البلاستيكي على نطاق واسع وسريع منذ نحو نصف قرن، وتشكل البحار والمحيطات نحو 70 في المئة من مساحة الكرة الأرضية. وينعكس هذا الأمر على النظم الايكولوجية للمحيطات والبحار، بما فيها الكائنات البحرية والعوالق الحيوانية التي يعتمد عليها الإنسان في غذائه اليومي. وهذا يعني أن هذه النفايات تصل في نهاية المطاف إلى موائد الطعام لملايين السكان في المعمورة.
 
وتكمن المشكلة الأساس، في وجود معظم هذه النفايات في البحار وليس على اليابسة، وتلك الطافية تمنع الأوكسجين عن الأسماك في أعالي البحار. اما النفايات في قاع البحار والمحيطات، فتبتلعها الأسماك ما يتسبّب بنفوق الآلاف منها، والتي ترميها الأمواج ميتة على السواحل.
 
يشير بحث علمي إسباني، إلى أن ألف طن من المواد البلاستيكية تطفو على سطح البحر الأبيض المتوسط، معظمها بقايا زجاجات بلاستيك وحقائب وأغلفة وأكياس من النايلون.
 
واقتُرحت طرق لمواجهة ظاهرة التلوث هذه، وتتمثل بإعادة استعمال المنتجات البلاستيكية وأكياس النايلون، ما يتطلب فرض ضرائب وأسعار أعلى لهذه المنتجات، كي يحافظ المستهلك عليها ويعيد استعمالها، بدلاً من الاكتفاء باستعمالها مرة واحدة ثم رميها، ما يزيد من مجموع النفايات اليومية.
 
وتتمثل الطريقة الثانية، في تغيير أساليب الإنتاج التي يتطلبها التغيير الاستهلاكي، للتكيف مع الأنماط الجديدة. فيما يقضي الطرح الثالث بتشييد المصانع للمعالجة وإعادة التدوير، وتحديداً وقف استعمال البحار مصباً للمجاري من دون معالجة الطرح الأول.
 
وتشير التقارير إلى أن مصدر معظم النفايات التي تصب في البحار دول شرق آسيا، باستثناء الصين التي تملك المصانع اللازمة لمعالجة مياه المجاري. ويتضح أيضاً أن معظم الدول الآسيوية لا تتوافر فيها مصانع المعالجة وإعادة تدوير الحجم الضخم من النفايات الناتجة عندها، تحديداً نفايات المجاري التي يصب كثير منها في البحار، خصوصاً أن الغالبية العظمى من سكان هذه الدول يقطنون المدن الساحلية.
 
أدى الخوف من تزايد «المناطق البحرية المميتة»، إلى تزايد الاهتمام العالمي بهذه الظاهرة الحديثة العهد نسبياً. كما بدأ تحديد مشاكل الأزمة. فهي لا تكمن فقط في العدد المتزايد من مواد البلاستيك والنايلون فقط، بل في النمط الاستهلاكي المستهتر، الأمر الذي يتطلب بدوره زيادة أسعار هذه المنتجات، كي يشعر المستهلك بأهميتها وعدم رميها مع النفايات بعد استعمالها لمرة واحدة فقط. وهذا يستلزم إنتاج أنواع مختلفة لهذه السلع، لتشجيع إعادة استعمالها مراراً. ويستدعي هذا الأمر أيضاً، بدء إعطاء الصناعة البتروكيماوية الاهتمام الاستثماري اللازم، لتكرار استعمال السلع التي تنتجها، وكيفية التخلص منها من دون تلويث اليابسة أو البحار على النحو الحاصل حالياً. وهذا الأمر ليس فقط من مسؤولية المستهلكين أو دولهم، بل أيضاً الصناعة.
 
وأخيراً تبقى مسؤولية الدول، سواء كانت صناعية أو في العالم الثالث، ومنها دول عربية لديها صناعات بتروكيماوية، في تشييد المعامل اللازمة لتدوير المواد البلاستيكية والنايلون ومعالجة المجاري، لأن أخطار تلوث البحار والمحيطات مسؤولية جماعية. وإهمال هذه التحديات سيلحق أضراراً خطيرة جداً بصحة ملايين السكان في أطراف المعمورة، والذين نجد على موائدهم الأنواع المختلفة من الأسماك، وبالصحة العامة جراء الأخطار نقص الأوكسجين أو بصناعة السياحة.