أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    14-Sep-2020

كيف نسخر الثورة الرقمية لتحسين الأنظمة الغذائية؟ (1-2)

 الغد-جوليان لامبييتي، وغادة العابد، وكاترينا شرودر

 
من بين الصور الصارخة لجائحة فيروس كورونا ذلك التناقض بين المزارعين الذين يسكبون الحليب ويسحقون البيض ويحرثون الخضراوات مرة أخرى في التربة وبين المستهلكين الذين لا يجدون أمامهم سوى أرفف المتاجر الفارغة والوقوف في طوابير طويلة في مراكز توزيع الغذاء.
ترى هذه المقالة ضرورة تصحيح أوجه التضارب الهائل في المعلومات وتكلفة المعاملات على مستوى نظام غذائي هائل الاتساع للانتقال إلى نموذج أكثر احتواء ومرونة واستدامة. ورغم أن الإنتاج الصناعي واسع النطاق للمواد الغذائية المصحوب بسلاسل توريد محكمة التوقيت قد حقق العديد من المكاسب، فإن المخاطر المترتبة على هذا النظام أصبحت واضحة للعيان على نحو متزايد. وتتيح الثورة الرقمية إمكانية تحقيق توازن بديل، تزدهر فيه الأنظمة المؤسسية والإنتاجية الصغيرة المرنة وتتمكن من الخوض بسلاسة في بيئة تشغيل متغيرة. وربما كان خلاصنا في الأشياء الصغيرة المترابطة؛ حيث يتبادر إلى الذهن المئات من السفن قليلة الغاطس التي أنقذت الموقف في دونكيرك أثناء الحرب العالمية الثانية، عندما علقت القوات على الساحل ولم تعد ناقلات الأفراد الضخمة صالحة للإبحار.
وها هو تعداد سكان العالم البالغ 7.7 مليار نسمة مستمر في الزيادة، ويتشارك في النظام الغذائي بطريقة أو بأخرى. فنحن نتخذ القرارات بشأن المواد الغذائية التي نستهلكها، والملابس التي نرتديها، والمنتجات التي نستخدمها -التي يأتي الكثير منها أصلاً من الزراعة. وتُنتج السلع الزراعية في 570 مليون مزرعة وهي في معظمها صغيرة وتديرها أسر وتقع في البلدان النامية. والأنظمة الغذائية محلية، وهي سمة أساسية في المجتمعات المحلية، ولكنها ذات طابع عالمي أيضًا وترتبط من خلال التجارة والأسواق المالية وأسواق التأمين المتطورة.
وفي حين أن النظام الغذائي يتيح الغذاء لسكان العالم الذين تضاعف عددهم بما يزيد على المثلين على مدى الأعوام الخمسين الماضية، فقد ابتعد بشدة عن المسار الذي من شأنه أن يساعدنا على تحقيق أهداف التنمية المستدامة المرتبطة بالجوع والفقر والصحة واستخدام الأراضي وتغير المناخ. ورغم أننا ننتج الكثير من الغذاء على مستوى العالم، فإن عدد من يعانون نقص التغذية آخذ في الارتفاع منذ العام 2014.
فثمة طفل واحد من كل خمسة أطفال دون سن الخامسة يعاني من التقزم على نحو يخلف عواقب سلبية على إنتاجيته تلازمه طيلة حياته. وهناك حوالي ملياري شخص يعانون من زيادة الوزن أو البدانة، الأمر الذي يؤدي إلى الإصابة بأمراض غير معدية، ذات أصل غذائي، تهدد القدرة على مقاومة الأمراض الجديدة مثل فيروس كورونا. تسهم الزراعة بنسبة 24 % من انبعاثات غازات الدفيئة، وتستهلك 70 % من المياه العذبة، وقد تسببت في فقدان 60 % من التنوع البيولوجي الفقاري منذ سبعينيات القرن الماضي. وتبلغ تكلفة هذه العوامل الخارجية السلبية 12 تريليون دولار وفقًا لتحالف الغذاء واستخدام الأراضي، وهو ما يتجاوز قيمة السوق التي تبلغ 10 تريليونات دولار.
ويوجد الآن 100 مليون آخرون مهددون بالسقوط في براثن الفقر بسبب التأثيرات الاقتصادية للجائحة، وفقًا لتقرير الآفاق الاقتصادية العالمية الصادر في حزيران (يونيو) 2020، الأمر الذي يبعدننا عن أهدافنا من خلال تقليص الدخول وخلق صعوبات في الحصول على الغذاء والتغذية ربما أفضت إلى مجاعة واسعة النطاق حسبما ذكر برنامج الغذاء العالمي.
فكيف لنا أن نحدد مسارًا جديدًا للنظام الغذائي، يعمل على الحد من الجوع ويتيح أفرادًا أصحاء واقتصادًا قويًا وكوكبًا سليمًا؟
لنتخيل معًا نظام الكوكب الذي يعتمد عليه النظام الغذائي كقارب يحمل حمولة أكبر من استطاعته “يميل” أكثر فأكثر مع كل شحنة إضافية تحمّل عليه: نمو السكان، وتغير المناخ، وفقد التنوع البيولوجي، والتلوث، وتدهور التربة، وما إلى ذلك. ومع وقوع أزمتين للأمن الغذائي في غضون عشرة أعوام فقط، وإن اختلف أصلهما تمامًا، فإننا نتأرجح ونقترب من النقطة الحرجة. ولن يتسنى حل هذه المشكلة بإلقاء آخر قطعة من الحمولة -فيروس كورونا. فهناك عوامل عدة يجب التصدي لها. ومن حسن الحظ أن الطبيعة تتسم بمرونة مذهلة، تمكنها، إلى جانب الإبداع البشري، من التعافي من الأزمة الحالية، كما حدث في أزمات سابقة. فدعونا نغتنم الفرصة لتحويل مسار النظام الغذائي.
واليوم تبشر سرعة التطوير والنشر للتقنيات والشبكات الرقمية بالتعجيل بإحداث تحول في النظام الغذائي من خلال التغلب على قصور الأسواق والسياسات القائم منذ مدة بعيدة. وقد أدت التحولات السابقة في المسار التي طرأت على الزراعة والصناعات الغذائية وتميزت بالعديد من الثورات الزراعية، إلى زيادة الإنتاجية الزراعية والإمدادات الغذائية، وانخفاض أسعار الغذاء الحقيقية، وساعدت على إتاحة العمالة والموارد الرأسمالية للاستثمار في قطاعات أخرى، ومهدت الطريق أمام توسع المدن والثورة الصناعية، وأدت إلى تحويل المنشآت الزراعية إلى شركات. وخلافًا للثورات السابقة التي نشأت من ابتكارات بالمزارع قبل أن تمتد إلى المجتمعات الريفية، ثم تترسخ أعلى سلسلة القيمة وأسفلها (تأمل في استخدام الجرافة المصنوعة من الحديد الزهر أثناء الثورة الزراعية في بريطانيا؛ أو تحسين البذور والأسمدة أثناء الثورة الخضراء)، تعمل الإبداعات الرقمية الحالية على تعزيز الكفاءة على نقاط متعددة على طول سلسلة القيمة الغذائية.
فالتكنولوجيا الرقمية تدفع التغيير على جبهات متعددة بمعدلات متسارعة من خلال جمع واستخدام وتحليل كميات هائلة من البيانات التي يمكن للآلات قراءتها عن كل جانب من جوانب النظام الغذائي تقريبًا وبتكلفة حدية تكاد تكون صفرًا. وتؤدي المنصات الرقمية من “علي بابا” إلى “يوتيوب” إلى إحداث تغييرات جذرية في نماذج الأعمال التقليدية على مستوى النظام، وكذلك ضخت شركات رأس المال المخاطر 2.8 مليار دولار في الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا الزراعية حول العالم في العام 2019.
ولكن الإبداع الرقمي لا يصلح إلا للغرض المقصود منه. ولتحقيق نتائج إيجابية، يتعين على السياسات العامة أن تعمل على تعزيز البنية التحتية التكميلية والقدرات البشرية، ومعالجة الفوارق بين الجنسين في إمكانية الوصول إلى الموارد، وإيلاء اهتمام وثيق بالمنافع البيئية -وجميعها من القضايا البارزة التي سيتطرق إليها تقريرنا المقبل بعنوان “التعجيل الرقمي للتحول الزراعي” المقرر نشره في أواخر العام الحالي. غير أننا نركز في هذه المقالة على ثلاث توصيات فقط للتعجيل بالتحول نحو مستقبل غذائي أكثر استدامة. ويتعين على السياسات العامة أن تسعى إلى تحقيق ثلاثة أمور، هي كالآتي: إلغاء تركيز الأسواق وسلاسل التوريد، لا مركزية التتبع، ونشر البيانات.
التوصية الأولى: القضاء على تركيز الأسواق وسلاسل التوريد
التناقض بين الفائض الغذائي في المزارع ونقص الغذاء في أسواق التجزئة أثناء عمليات الإغلاق الناجمة عن جائحة كورونا يسلط الضوء على ما يعانيه النظام الغذائي منذ فترة طويلة من ارتفاع تكلفة المعاملات وتضارب المعلومات. وتعمل الأسواق وسلاسل التوريد المركزة والمُقسمة إلى قطاعات على توليد مكاسب هائلة في الكفاءة لكنها تجعل من الصعب والمكلف على كل من البائعين والمشترين التوصل بعضهم إلى بعض والتعامل فيما بينهم. وقد يتخذ التركيز أشكالًا وأنماطًا عديدة -من الأسواق المادية المركزة إلى الحصص السوقية المركزة. وكل منهما محفوف بالمخاطر، وخاصة في أوقات الأزمات. كانت سفينة تايتانيك أكبر وأفخم سفينة ركاب حديثة عندما أبحرت في رحلتها الأولى. وتصور الجميع أنها “أكبر من أن تغرق”، وكلنا يعلم ما انتهى إليه حالها.
وفي بيرو، أظهرت الفحوص إصابة 80 % من التجار في سوق الفاكهة المركزية الكبرى في ليما بفيروس كورونا. ورغم أن السلطات اعتبرتها مركزًا للعدوى، فقد وجدت أنها لا تستطيع تحمل كلفة إغلاق السوق حتى لا يتسبب في نقص كبير في المواد الغذائية. وفي الولايات المتحدة، يتركز قطاع الأغذية بالتجزئة بشكل متزايد في عدد صغير من الشركات الضخمة التي تنقصها الخفة في سرعة التكيف مع التغيرات في أنماط الاستهلاك، وتتسم بقدرة أقل على مجابهة صدمات الطلب.
وفي الولايات المتحدة أيضًا، أبرز تأثير فيروس كورونا على العاملين في مجال تعبئة اللحوم حجم عمليات قطاع اللحوم والتركيز السوقي الشديد في سوق صناعة اللحوم، فتسبب إغلاق مصانع تعبئة اللحوم في إلينوي في تأثيرات انتشرت في سلاسل التوريد من أعلاها إلى أسفلها. وهذه المشكلات مرشحة للتفاقم مع تضخم الاتجاهات نحو التركيز والتقسيم القطاعي بفعل العوامل الجغرافية والسياسات التجارية، الأمر الذي يسهم في ظهور حالات الفوائض والعجز الفريدة التي أحدثها فيروس كورونا حاليًا.
ومن الممكن أن تساعد المنصات الرقمية على إلغاء التركيز وزيادة عدد الأسواق أعلى النظام الغذائي وأسفله على نحو يؤدي إلى نتائج أفضل في طرفي سلسلة التوريد.
ففي دراسة قارنت بين بيانات المعاملات من منصة رقمية تجرى مزادات على السلع المادية أسبوعيًا، والأسعار على بوابات المزارع في مناطق إنتاج البن بالهند، وجد أن المنتجين حصلوا على أسعار أعلى كثيرًا حين باعوا السلعة من خلال المنصة الرقمية وليس عند بوابة المزرعة عن طريق السماسرة. وتمثل منصة التسويق تاوباو التابعة لـ”علي بابا” على الإنترنت، التي وُصفت في مدونة نشرت مؤخرًا للمعهد الدولي لبحوث سياسات الغذاء حالة أخرى في هذا الصدد: فقد شهدت مقاطعة شويانغ، حيث تقع 86 قرية من أصل 4310 قرى بالصين يقع بها تاوباو، “تحولًا هائلًا من واحدة من أفقر مقاطعات إقليم جانجسو إلى معلم سياحي بارز للتجارة الإلكترونية الزراعية في الصين”. وبفضل صناعة البساتين المزدهرة المدعومة بالتجارة الإلكترونية، تجاوز الناتج المحلي الإجمالي للمقاطعة 11 مليار دولار العام 2018، وانتشل 41,000 شخص من براثن الفقر.-(البنك الدولي)