تعتبر محدودية الموارد المتاحة وازدياد وتعددية الرغبات قضية جعلت الاقتصاديين يجادلون في تفسير سلوك الأفراد واختيارهم البدائل وتعظيم المنفعة وتحقيق المكاسب مما يساعد في عملية اتخاذ القرار والتنبؤ به. ولأن عملية صنع القرار الاقتصادي مرتبطة بالعديد من العوامل كالعاطفة والحدس والمشاعر واللامبالاة والخوف من الخسارة والتحيزات، فقد أجرى العلماء أبحاثا على كيفية اتخاذ العقل البشري قرارا اقتصاديا، عبر مزج العديد من العلوم مثل علم الأعصاب وعلم الاقتصاد التجريبي وعلم الاقتصاد السلوكي وعلم النفس المعرفي وعلم النفس الاجتماعي لتفسير تلك الأحداث التي قدمت لنا علم الاقتصاد العصبي.(Neuro-Economics) ويعرف الاقتصاد العصبي بأنه: مجال متعدد التخصصات يعمل على تفسير عملية اتخاذ القرار البشري والقدرة على معالجة بدائل متعددة واختبار البديل الأفضل، بواسطة مجموعة من الأدوات والعلوم المختلفة لتجنب أوجه القصور التي قد تنشأ عن النهج الأحادي. إنه علم يدرس كيفية صياغة السلوك الاقتصادي لمفهوم الدماغ وكيف يمكن لاكتشافات العلوم العصبية أن تقييد وتوجه النماذج الاقتصادية نحو تقديم وسيلة أكثر تكاملية في صنع القرار.

 

نشأ علم الاقتصاد العصبي في الولايات المتحدة منذ حوالي عقدين من الزمن، ويختلف عن الاقتصاد السلوكي بأن الأخير أحادي الجانب أي يضم الاقتصاديين فقط، فيما يجمع الاقتصاد العصبي الاقتصاديين السلوكيين والكلاسيكيين والأطباء والخبراء في علم النفس. يدرس علم الاقتصاد العصبي موضوعات فرعية مهمة مثل نظرية المباريات، واتخاذ القرار في حالات المخاطرة وعدم التأكد، والاختيارات المحددة بالزمن. وهذا ما يساعد على اتخاذ أفضل القرارات في حالة تضارب المصالح وتعدد العوامل المؤثرة بصنع القرار. والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا يجب على الاقتصاديين دراسة الدماغ؟ في الواقع إن الحاجة إلى تعزيز قياس المنفعة في توجيه وتحفيز وتطوير نماذج اقتصادية جديدة يسرع من المسارات والناقلات العصبية بطريقة تجريبية واختبارات فعالة لتعزيز فهم الادراك الاقتصادي. ووفقاً لخبراء الاقتصاد العصبي يمكن للعمليات الفسيولوجية التي يتحكم بها الدماغ أن تؤثر طوعاً أو لا إرادياً على اختيارات الفرد وتفضيلاته فيما لا يقدم الاقتصاد القياسي بالنسبة للاختيار والتفضيل تفسيرا كافياً عن كل شيء.

 

يساعد الاقتصاد العصبي الأفراد على اتخاذ القرار في المواقف الاقتصادية والاستراتيجية لأنه يركز على العمليات النفسية والفسيولوجية التي تعتبر أساسية في عمليات صنع القرار مع ربط إجراءات اتخاذ القرار بالعمليات النفسية والتجربة العاطفية. فالاقتصاد العصبي قادر على تفسير بعض القرارات المرتبطة بالشراء والبيع والعادات المكتسبة التي يمكن لها أن تؤثر في السلوك الاقتصادي وتكون مرتبطة جينياً بالافراد، مما يستدعي إيجاد حلول لتقويم سلوكهم الاقتصادي وتوجه أنماطهم وقراراتهم الاقتصادية. برأيي، يساعد الاقتصاد العصبي في رسم سياسات اقتصادية أكثر فاعلية عبر زيادة الانتاجية وتحسين الأداء والاستفادة من الموارد، ومع هذا علينا أن ندرك الجوانب الأخلاقية وأن تستحدث جامعاتنا هذا التخصص المشرق.